تؤكد فرنسا مجددًا، بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، التزامها في مكافحة هذه الممارسة المجردة من الإنسانية وتعرب عن تضامنها الكامل مع المتضررين والمقربين منهم، ومنهم المتضررين في أفغانستان وفي سياق الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا. وتثني على عمل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية والمنظمات الإقليمية والمجتمع المدني (…)
الاختفاء القسري هو الاختطاف أو أي حرمان من الحرية أياً كان نوعه لأسباب سياسية يتبعه رفض الاعتراف بالحرمان من الحرية أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان تواجده، مما يجعله خارج حماية القانون.
ويعمل مرتكبو أنواع الاختفاء هذه لحساب الدولة أو بعد الحصول على موافقتها. و تمثل حالات الاختفاء هذه التي لم تُحل والتي تفلت من العقاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ومن الضروري مكافحتها.
ووفق أحدث تقرير نشره الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري في شهر مارس/آذار 2012، جرى الإبلاغ عن 778 53 حالة منذ عام 1980. ولم يُحل ما يزيد عن 000 42 حالة من هذه الحالات تخص 82 دولة.
إنّ انعدام الآليات الخاصة التي من شأنها حماية الضحايا يشجع إفلات مرتكبي هذا النوع من الأفعال من العقاب.
ففي الوقت الذي تؤطر فيه اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية الاختفاء القسري في وقت الحرب فإن أحكام القانون الدولي الإنساني هذه لا تخص النزاعات غير التقليدية ولا حالات السلم.
وقد دفعت ممارسة الاختفاء القسري بصورة شائعة ومنهجية في أمريكا اللاتينية في السبعينات الأمم المتحدة إلى وضع صك قانوني بهذا الشأن.
و هكذا، أحرزت أوجه تقدم ملحوظة منذ 20 ديسمبر/كانون الأول 1978، وهو تاريخ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمبادرة فرنسية، أول قرار بشأن الأشخاص المختفين.
التزام فرنسي دائم
تبذل فرنسا أقصى جهودها منذ سنوات عديدة في سبيل مكافحة الاختفاء القسري، من خلال ما يلي:
مبادرة فرنسا إلى القرار 173/33 المؤرخ في 20 ديسمبر/كانون الأول 1978، وترؤسها المفاوضات المتعلقة بإعلان حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري المؤرخ في 18 ديسمبر/كانون الأول 1992، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة؛
إعداد مشروع الاتفاقية المتعلقة بالاختفاء القسري الذي تولته لجنة فرعية لحقوق الإنسان، أنهت أشغالها في عام 1998 بعدما صاغ الخبير الفرنسي لوي جواني مشروع صك ملزم في هذا المجال؛
ترؤس فرنسا الفريق العامل الذي أنشأته لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والمعني بإعداد مشروع صك اتفاقية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
و وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ذي الصلة واعترافا بالدور المهم الذي اضطلعت به فرنسا في هذا الملف منذ أزيد من 25 سنة، نُظم حفل توقيع الاتفاقية في باريس– وهو حدث استثنائي فيما يخص اتفاقيات الأمم المتحدة.
صدّقت فرنسا على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري بتاريخ 23 سبتمبر/أيلول 2008.
كما أقرت فرنسا باختصاص اللجنة المعنية بالاختفاء القسري بموجب إعلان 9 ديسمبر/كانون الأول 2008، المنصوص عليه في المادة 31 من الاتفاقية.
وتتوافق التشريعات الوطنية، جوهرياً، مع أحكام الاتفاقية. وقُدم مشروع قانون يتضمن تدابير تكييف القانون الجنائي إلى مجلس الشيوخ في 11 يناير/كانون الثاني 2012.
تنظم فرنسا وتشارك بانتظام في تظاهرات بهذا الشأن ومنها المؤتمر الدولي بشأن تحديات التنفيذ العالمي والفعلي للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، في مايو/أيار 2012 في باريس.
إن التعذيب وإساءة المعاملة ممارستان شائعتان في العديد من البلدان.
ومما يزيد من صعوبة مكافحة التعذيب ممارسته غالباً في أماكن حبس سرية أو يصعب الوصول إليها.
وعزّز سياق المكافحة العالمية للإرهاب بعد تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001 هذا التوجه، إذ إن هناك دول لا تتردد في التذرع بمقتضيات مكافحة الإرهاب لتسويغ ممارسة التعذيب.
ويشمل ضحايا التعذيب على وجه الخصوص المعارضين السياسيين أو المدافعين عن حقوق الإنسان أو أفراد الأقليات الدينية أو المثليين أو الأشخاص المشتبه في تورطهم في الإرهاب.
غير أن المحتجزين بمقتضى القانون العام قد يتعرضون كذلك للتعذيب في البلدان التي لا تكترث كثيرا بحقوق الإنسان، خصوصا حين يزيد جنسهم أو سنهم أو فئتهم الاجتماعية الاقتصادية أو وضعهم القانوني، مثل وضع اللاجئ، من استضعافهم.
إن أسباب التعذيب وإساءة المعاملة متعددة، ففضلاً عن احتمال وجود إرادة قمع سياسية، غالبا ما يرتبط التعذيب بنقص مزمن في الإمكانيات المادية والتقنية وبضعف تدريب قوات الأمن، وكذلك بجو يسود فيه الإفلات من العقاب كما هو الشأن في بعض البلدان حيث تنعدم المتابعة القضائية أو تجريم أعمال التعذيب أو إساءة المعاملة، وهو مما يؤدي لا محالة إلى تشجيع اللجوء إلى هذه الأعمال.
التزامات فرنسا
إن فرنسا ملتزمة على عدة مستويات على الصعيد الدولي بمكافحة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وعليه صدقّت فرنسا على اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984، التي وقعت عليها 153 دولة.
وتضع هذه الاتفاقية الضحايا في صميم آليتها التقنينية، عن طريق مكافحة إفلات المسؤولين عن هذه الأعمال من العقاب والسماح باعتقال ممارسي التعذيب لمجرد وجودهم على تراب دولة طرف في الاتفاقية، من جهة، ومن جهة ثانية، عن طريق رفع التعذيب إلى درجة جريمة ضد الإنسانية حينما يمارس بصورة عامة ومنهجية.
كما أنشأت هذه الاتفاقية لجنة لمناهضة التعذيب تقدم لها الدول تقريراً إلزامياً كل 4 سنوات. وقد قدمت فرنسا أحدث تقرير لها في أبريل/نيسان 2010.
كما تضطلع اللجنة بوظائف رصد أخرى: فهي مخولة، عند توفر بعض الشروط، وعند اعتراف الدولة باختصاصها كما فعلت فرنسا، دراسة شكاوى فردية لخواص يدعون أنهم ضحايا انتهاك حقوق تعترف بها الاتفاقية، وإجراء تحريات ودراسة الشكاوى بين الدول.
ووقعت أيضاً فرنسا البروتوكول الاختياري للاتفاقية، الذي أنشأ اللجنة الفرعية لمنع التعذيب التي أسندت إليها مهمة تفتيش جميع أماكن الحرمان من الحرية في الدول الأطراف في البروتوكول، بالتعاون مع آليات المنع الوطنية.
و تلزم الاتفاقية الدول بإنشاء آليات وطنية لمنع التعذيب وإساءة المعاملة في غضون سنة اعتباراً من تاريخ دخول الاتفاقية حيز النفاذ بالنسبة للبلد الطرف.
وقد أنشأت فرنسا آليتها الوطنية للمنع التي تتمثل في شخص المراقب العام لأماكن الحرمان من الحرية المكلف بالتحقق من الاحترام الفعلي للحقوق الأساسية للأشخاص المسجونين، باستقلالية تامة.
وصدّقت 64 دولة على هذا البروتوكول حتى الآن.
وفرنسا هي أيضا طرف في الاتفاقية الأوروبية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية أو المهينة (تم التصديق عليها في 9 يناير/كانون الثاني 1989 ودخلت حيز النفاذ في 1 فبراير/شباط 1989، وتضم الاتفاقية 47 دولة) وطرف في بروتوكولاتها.
وقد أنشأت هذه الاتفاقية لجنة أوروبية لمنع التعذيب تزور، على غرار اللجنة الفرعية لمنع التعذيب، أماكن الحرمان من الحرية.
وكانت الزيارة الماضية التي قامت بها اللجنة لفرنسا في ديسمبر/كانون الأول 2010.
وتساند فرنسا رفقة الاتحاد الأوروبي اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة سنويا قراراً بشأن " التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".
ويذكر هذا القرار على الخصوص بالمنع "المطلق" للتعذيب ويشجع الدول الأطراف في البروتوكول الاختياري على إنشاء آليات وطنية لمنع التعذيب.
وفضلاً عن هذه النصوص الدولية والأوروبية، تقود فرنسا حملة نشطة من أجل أن تصبح اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري اتفاقية عالمية، إذ إنها تعَد حلقة أساسية في سلسلة صكوك منع التعذيب.
ولا يقتصر النظام التقنيني لمنع التعذيب على الاتفاقات السالفة الذكر بل بوسعه أن يشمل نصوصا أخرى مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقيات القضاء على جميع أشكال التمييز (العنصري، وضد المرأة)، إلخ.
أنشطة فرنسا الملموسة
فضلا عن هذا العمل التقنيني، تقوم فرنسا بمختلف الأنشطة التالية:
تساند عمل وإجراءات المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
تحرص فرنسا على تنفيذ مبادئ الاتحاد الأوروبي التوجيهية بشأن التعذيب التي وضعت في خلال عام 2001. وتزود هذه المبادئ التعليمات فيما يخص الأدوات التنفيذية (التقرير، والتقييم، والحوار السياسي، والنهج، والإعلان) التي ينبغي للدول الأعضاء استعمالها في علاقاتها مع البلدان الأخرى، بغية القضاء على التعذيب وإساءة المعاملة في جميع أنحاء العالم.
كما تدعم فرنسا صياغة إستراتيجية في مجال تعزيز حقوق الإنسان والدفاع عنها بحيث تلائم وضعية كل بلد، وتحرص عند الاقتضاء على أن تشمل هذه الإستراتيجية مكافحة التعذيب.
وعملا بهذه المبادئ التوجيهية، تتخذ فرنسا، حين تعتبر ذلك مناسبا، إجراءات لفائدة حالات تعذيب أو إساءة معاملة فردية، بمعية شركائها الأوروبيين.
وقد أعطيت تعليمات لسفاراتنا خارج الاتحاد الأوروبي لكي تطور مع شركائها الأوروبيين استراتيجيات لمكافحة التعذيب تلائم السياق المحلي.
وقد اتخذت إجراءات محددة، مثل الدعوة إلى التصديق على اتفاقية مناهضة التعذيب وبروتوكولها الاختياري، والتشجيع على قبول زيارات مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بمسألة التعذيب، وإنشاء آليات وطنية مستقلة وفعالة لمنع التعذيب في الدول التي صدّقت على البروتوكول الاختياري للاتفاقية.
علاوة على ذلك، نظّمت فرنسا، عبر بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان ورابطة منع التعذيب تظاهرة بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لاعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب.
يحتجز آلاف الأشخاص تعسفياً كل عام بسبب ممارستهم حق من حقوقهم الأساسية التي تشمل، على سبيل الذكر لا الحصر، حرية الرأي والتعبير، أو الحق في مغادرة بلدانهم، أو لأنهم سجنوا بدون أن تحاكمهم سلطة قضائية مستقلة.
فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالإعتقال التعسفي
أنشئ فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي في 5 مارس/آذار1991، بمبادرة من فرنسا التي ترأسته من عام 1991 إلى 1997، بموجب القرار 1942/91 للجنة حقوق الإنسان، وهو يتألف من خبراء مستقلين.
ويجتمع الفريق ثلاث مرات كل سنة ويجري زيارات ميدانية للتحقق من ادعاءات الإعتقال التعسفي، ولاسيما في الحالات التي ترفع إليه في إطار "إجراء الاستجابة العاجلة".
أنشطة فرنسا
احتفلت آلية فريق الأمم المتحدة العامل المعني الإعتقال التعسفي، الذي يحظى بدعم فرنسا منذ إنشائه، بالذكرى السنوية العشرين لتأسيسه في عام 2011.
وبهذه المناسبة، نظمت فرنسا في باريس في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، مع النرويج واللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان، تظاهرة احتفالية للإشادة بعمل الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي وبالزخم الذي أعطته فرنسا لإنشاء هذا الفريق، بحضور العديد من الشخصيات.
ومن جهة أخرى، تعزز فرنسا في الأمم المتحدة مكافحة الإعتقال التعسفي عبر قرارات تقدمها بانتظام لمجلس حقوق الإنسان.