مقال السيد جان مارك إيرولت، وزير الشؤون الخارجية والتنمية الدولية (2017.01.13)

حصة

عملية السلام في الشرق الأوسط لا تستطيع الانتظار لسببين رئيسين.

أولا بسبب الوضع الملحّ، فالأزمات العديدة التي تمرّ بها المنطقة، من سورية إلى ليبيا، ومن اليمن إلى العراق، تولّد أخطارا جديدة تهدّد بزعزعة استقرارها. ويعتقد البعض أن هذه الأزمات تعيد ترتيب سلم الأولويات وأنه ينبغي تأجيل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي نظرا إلى هذه الأولويات المفترَضة. لكن ليست هذه هي رؤيتي للأمور، إذ لا يمكن نزع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عن محيطه الإقليمي. ويتوهم من يعتقد أنه بالإمكان استعادة الاستقرار في الشرق الأوسط بدون تسوية أقدم صراعاته. فهذا الصراع، إن لم يُعالَج، سيواصل إذكاء حالة الإحباط ولن يؤدي في نهاية المطاف سوى إلى تعزيز حلقة التطرف والعنف المفرغة. وسيستمر في توفير المسوّغات للإرهابيين من أجل تجنيد مقاتلين جدد. ويمثّل الاعتداء المقيت الذي وقع في القدس يوم الأحد الماضي إنذارا إضافيا لذلك. لهذا السبب التزمتُ بهذه القضية، لأن السلام لا يستطيع الانتظار، وكل يوم يمضي يبعدنا أكثر قليلا عن آفاق تسوية هذا الصراع.

ولأنه بالإضافة إلى الحاجة الملحّة، لدي قناعة راسخة، يشاركني إياها معظم شركاؤنا، وأغلبية الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي القناعة بأن حل الدولتين هو الحل الوحيد الكفيل في النهاية بإرساء الاستقرار في المنطقة وتحقيق أمن إسرائيل. ولسنا بصدد فرض السلام على أحد، ففرنسا لم تعتزم قط إملاء معالم السلام على أي من الطرفين، ونحن نعلم علم اليقين أن الصراع لن يسوّى إلا عندما يقرّر الطرفان السير في طريق المصالحة الشجاعة والشاقة، فستكون هذه الطريق ملتوية ومحفوفة بالعقبات، وتتخللها الخيارات الصعبة، ولن تستطيع فرنسا ولا المجتمع الدولي إرغام الطرفين على سلوكها، ولا يرغبان في إرغامهما على ذلك، إذ يتعيّن على الفلسطينيين والإسرائيليين أن يقرّروا معا مصيرهم المشترك.

ومع ذلك، هنالك أمر يقين، يتشاطره الجميع لأنه لا يخص الفلسطينيين والإسرائيليين فقط، بل يتعداهما إلى أمننا المشترك، وهو أن أفق المفاوضات، وماهيتها بحد ذاتها، يتمثلان في التوصل إلى حل الدولتين اللتين تعيشان الواحدة إلى جانب الأخرى بسلام وأمن. ويدرك بنيامين نتانياهو ومحمود عباس كليهما أنه لا بديل لحل الدولتين الذي سيمكّن الفلسطينيين والإسرائيليين من النظر إلى المستقبل بطمأنينة.

بيد أن حل الدولتين معرّضٌ للخطر، فانعدام العملية السياسية منذ ستة أعوام فسح المجال أمام سياسة الوضع القائم المضلّلة. ميدانيا، يراقب الفلسطينيون دولتهم المقبلة وهي تتقلص رويدا رويدا بقدر ما يستمر الاستيطان، الذي بلغ وتيرة غير مسبوقة، والذي يرسّخ الاحتلال، إذ لا يمكن عزل أحدهما عن الآخر. أما الإسرائيليون، الذين يعيشون في بيئة إقليمية لم تعهد هذا المستوى من الاضطراب أبدا، فيتعرضون أيضا للعنف شبه اليومي الذي يرتكبه هؤلاء الذين يستغلون حالة الإحباط من أجل ترويج برنامج الكراهية الذي يحملونه. لقد تبخرت وعود السلام من الجهتين وحلّ محلها الاحتراز والإذعان وحتى الأمل الكاذب بإمكانية استمرار الوضع الراهن إلى ما لا نهاية.

قرّر المجتمع الدولي، بتحفيز من فرنسا، حشد جهوده بغية إنقاذ حل الدولتين ورعاية مستقبل السلام والازدهار لشعوب المنطقة. لذا استجاب ثلاثون بلدا ومنظمة دولية إلى دعوتنا، واجتمعت في باريس في 3 حزيران/يونيو الماضي. ولذا اعتمد مجلس الأمن القرار 2334 في 23 كانون الأول/ديسمبر. ويحمل هذا الاستنفار رسالة واحدة ووحيدة، بسيطة وواضحة، وهي: أيها الأصدقاء الفلسطينيون والأصدقاء الإسرائيليون، لن نبرم السلام عوضا عنكم ولكننا سنساندكم من أجل تحقيقه. هذه هي مسؤوليتنا التاريخية، وسنكون حاضرين لمواكبتكم. وأنتم تعلمون كما نعلم نحن أن مساعدة المجتمع الدولي ستكون ضرورية عندما يحين الوقت، وإننا مستعدون لذلك.

سيجتمع سبعون شريكا في باريس مجددا في 15 كانون الثاني/يناير، أولا من أجل استعراض نتائج الأعمال التي شُرِع فيها في 3 حزيران/يونيو أمام الشركاء. فقد صغنا معا برنامجا يُعنى بكل المجالات، أي الاقتصاد والتجارة والمساعدة الإنمائية والتعاون والمجتمع المدني. ويتمثّل هدف هذا البرنامج في أن نبيّن للطرفين ما بوسعهما أن يجنيا من السلام. كما سيوجّه مؤتمر الخامس عشر من كانون الثاني/يناير رسالة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين، وإلى العالم. ففي حين أن مستقبل عملية السلام مفتوح على جميع الاحتمالات، تقع علينا المسؤولية المشتركة للتذكير بالحقيقة المؤكدة أنه لا يوجد أي قرار أحادي الجانب يتوافق مع حل الدولتين. ولا يمكن أن ينبثق هذا الحل إلا من إعادة بناء الثقة بين الطرفين ومن الأفق السياسي المشترك، الذي يتطلع إليه الفلسطينيون والإسرائيليون، وليس من طموح آخر لدى فرنسا غير الإسهام في تحقيق هذا الحل.