سورية - مقال رأي مشترك بقلم السيد جان إيف لودريان و17 نظيرًا من نظرائه الأوروبيين، يتناولون فيه مكافحة إفلات مرتكبي الجرائم في سورية من العقاب (31 آذار/مارس 2021)
[مقال رأي مشترك بقلم وزراء الشؤون الخارجية لكلّ من فرنسا، وألمانيا، والنمسا، وبلجيكا، وبلغاريا، والدانمرك، وفنلندا، وأيرلندا، وإيطاليا، ولاتفيا، وليتونيا، ولكسمبرغ، ومالطة، وهولندا، وبولندا، والبرتغال، وسلوفينيا، والسويد]
منذ عشر سنوات نزل ملايين السوريين إلى شوارع درعا وحلب ودمشق للمطالبة بالديمقراطية وباحترام حرياتهم وحقوقهم الأساسية. وأدّى ردّ النظام المباغت والقاسي إلى بروز إحدى أخطر المنظمات الإجرامية والأزمات الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. وما تزال هذه الأزمة مستمرة منذ ما يزيد على عقد من الزمن وأسفرت عن مقتل أكثر من 400 ألف شخص وعن انتهاكات لا تُعدُّ ولا تُحصى لحقوق الإنسان.
وأرغم أكثر من نصف السوريين على ترك منازلهم، في حين فرّ أكثر من ستة ملايين سوري من سورية هربًا من الفظائع التي يرتكبها النظام بحقهم. وتعرّض عشرات آلاف الأشخاص للاختفاء القسري، تاركين أسرهم من دون أي خبر عن مصيرهم أو مكان اعتقالهم.
ولجأ النظام السوري إلى استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه على نحو متكرر، وفق ما أكّدته بوضوح منظمة الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية. ورفض النظام رفضًا منهجيًا إعطاء التفسيرات للأفرقة الدولية المعنية بالتحقيق. بيد أن الناجين من تلك الهجمات يشهدون على فظاعة ما شاهدوه وقسوة ما عاشوه.
لكننا لن نسكت على هذه الفظائع التي ارتُكبت في سورية والتي يتحمّل النظام والجهات الخارجية الداعمة له مسؤوليتها بالدرجة الأولى. ويمكن تصنيف العديد من تلك الجرائم، بما فيها الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش وجماعات مسلّحة أخرى، بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. لذا نتحمّل جميعًا مسؤولية مكافحة إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب والمطالبة بمحاكمتهم بصرف النظر عن هوياتهم.
فلا بد من تحقيق العدالة من أجل الضحايا والمتضررين. ونظرًا إلى فداحة هذه الجرائم، نواصل مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في هذه الجرائم المزعومة وملاحقة مرتكبيها. وإننا نبذل قصارى جهدنا من أجل توثيق هذه الجرائم بانتظار أن يتمكّن قضاة أكفاء من النظر فيها، وذلك سعيًا منا إلى إحباط استراتيجية بعض الأطراف التي تعرقل إحالة مجلس الأمن هذه القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي هذا الصدد، دعمنا إنشاء آلية دولية محايدة ومستقلة تتيح جمع الأدلة وحمايتها من أجل الإجراءات القضائية المستقبلية، وإنها لجهود مهمة. وإننا ندعم أيضًا أعمال لجنة التحقيق الدولية المستقلة، التي توثّق الانتهاكات المرتكبة ضد حقوق الإنسان في إطار النزاع السوري.
ومن الضروري الكفّ عن تنفيذ مثل هذه الانتهاكات التي وُثّقت بدقة لا متناهية. ونعقد العزم على فرض التقيّد بجميع المعايير الدولية لحماية حقوق السوريين قاطبة، وهذا هو القصد من المبادرة التي استهلّتها هولندا في الآونة الأخيرة والتي تُلزم سورية بالخضوع للمساءلة عن خرقها اتفاقية مناهضة التعذيب. وتؤدي المحاكم الوطنية التي باشرت بعضها اتخاذ إجراءات قضائية، دورًا جوهريًا في هذا السياق، إذ عمدت المحاكم الوطنية في عدّة بلدان إلى ملاحقة مرتكبي الجرائم وإصدار الأحكام بحقهم. وباشرت السلطات القضائية السويدية اتّخاذ الإجراءات القضائية منذ عام 2016. واتّخذت محكمة كوبلنتس في ألمانيا أوّل قرار تاريخي يدين عضوًا سابقًا في جهاز المخابرات السوري الشهر الماضي بتهمة التواطؤ على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وثمة إجراءات قضائية قائمة حاليًا في فرنسا، فضلًا عن الشكوى التي قُدّمت في باريس مؤخرًا بشأن الهجمات الكيميائية التي نفّذها النظام السوري ضد شعبه.
واعتمد الاتحاد الأوروبي جزاءات محددة الأهداف على كيانات وأفراد مقرّبين من النظام يتحمّلون مسؤولية قمع الشعب السوري. وإننا نعرب عن رفضنا لخطاب النظام الذي يعلن فيه أن هذه الجزاءات تُسبب العناء للشعب السوري، لكن إهماله وتقصيره الواضحين في إدارة الوضع الاقتصادي هما ما أدّيا إلى الأزمة التي يكابدها السوريون اليوم.
ويجب أيضًا إيجاد الحلول المؤاتية الكفيلة في تسوية مأساة المعتقلين وأكثر من مائة ألف مفقود، ومن الضروري أن تكرّس الأمم المتحدة كلّ طاقتها الضرورية من أجل التوصّل إلى نتائج حقيقية، وخاصةً من جانب النظام السوري.
ولا تُعدُّ مكافحة الإفلات من العقاب مسألة مبدأ وحسب، بل إنها أيضًا واجب معنوي وسياسي وقضية أمنية للمجتمع الدولي. ويمثّل استخدام الأسلحة الكيميائية في أي ظرف من الظروف تهديدًا للسلام والأمن الدوليين. لذا قمنا بحشد جهود جميع المؤسسات المعنية التي تكفل معايير حظر الأسلحة الكيميائية، وذلك من أجل مواجهة الهجمات الكيميائية. وأجرت أفرقة عمل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تحقيقات اتسمت بالشفافية التامة، وإضافة إلى هذا العمل المهم، استهلّينا الشراكة الدولية من أجل مكافحة إفلات مستخدمي الأسلحة الكيميائية من العقاب، التي تضمّ 40 دولة فضلًا عن الاتحاد الأوروبي. وأتاحت هذه المبادرة إدانة الأشخاص المتورطين في تطوير أسلحة كيميائية أو استخدامها، ولن يهدأ لنا بال حتى يحاسبون على جرائمهم.
وتُعدّ مكافحة الإفلات من العقاب شرطًا من شروط إحلال السلام الدائم في سورية. ولن يتمكّن الشعب السوري من التفاؤل بمستقبل أفضل ما لم تتوقف انتهاكات حقوق الإنسان على نحو تام ومؤكّد. ولن تتمكّن سورية من التصالح مع ماضيها ما لم يحاسب المجرمون على الجرائم التي ارتكبتها أيديهم.
ونشيد بالجهود الجبّارة التي يبذلها المدافعون عن حقوق الإنسان والعاملون في المنظمات غير الحكومية وأفراد المجتمع المدني الذين يعرّضون حياتهم للخطر من أجل إجلاء حقيقة الجرائم المرتكبة في سورية. وإننا نوفّر لهم الحماية متى أمكن، وتعمل أجهزتنا القضائية على نحو حازم من أجل ملاحقة مرتكبي الجرائم الفادحة.
ويجب كشف جميع ملابسات الفظائع التي نُفّذت على امتداد هذا العقد من الزمن، فمن الضروري تحقيق العدالة للضحايا والمتضررين، من أجل إرساء الاستقرار وإحلال السلام في سورية، استنادًا إلى حلّ سياسي دائم وذي مصداقية يمتثل للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وترفض بلداننا رفضًا قاطعًا إفلات مجرمي الحرب والسفّاحين من العقاب. فلن تتغلّب جرائمهم على تطلّع السوريين إلى استرجاع كرامتهم وتحقيق العدالة.