الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية متناولًا فيه موضوع مكافحة النَزعات الانفصالية (2 تشرين الأول/ أكتوبر 2020)

حصة
  • لا يُعتدُّ إلا بما أُدلي به

حضرات الوزراء، حضرات النوّاب، حضرة رئيس البلدية، فرانسوا، شكرًا جزيلًا، حضرة رئيس مجلس المحافظة، حضرة رئيس الجماعة الحضرية، حضرة المحافظ، حضرة رئيس محكمة الاستئناف الأول، حضرة المدّعي العام، حضرة رئيسة الأكاديمية، السيدات والسادة، الحضور الكريم،

شكرًا حضرة رئيس البلدية لاستقبالنا اليوم هنا في مدينة لي مورو، فاتخاذ الإجراءات اللازمة وتبادل وجهات النظر بشأن موضوع في غاية الأهمية لجمهوريتنا هنا في مدينتكم، في محافظتكم ليس محض صدفة. إنها أرض المعارك الجمهورية وتعرفون جيدًا كيف تقودونها، إنها مدينة الحلول كما اعتدتم القول، إنها محافظة التناقضات، لكنها نجحت دومًا في التصدّي لهذه التحديات بواسطة المدرسة والتعليم والعمل.

وثمة هدف مزدوج للقائنا اليوم. فلا بد وأن نحدد أولًا حقيقة مشكلاتنا دون محظورات ودون تساهل. فما الذي يحدث اليوم في مجتمعنا ويهدد جمهوريتنا وقدرتنا على العيش المشترك؟ أمّا الهدف الثاني فيتمثّل في إبلاغكم بالقرارات التي اتُّخذت في هذا الصدد والتي توصّلنا إليها بعد عمل منهجي بدأناه منذ ثلاث سنوات تقريبًا وأنهيناه مع الحكومة في الأسابيع الماضية.

فالمشكلة لا تكمن في العلمانية. وقد سبق لي وذكّرت مرارًا وتكرارًا بأن العلمانية في الجمهورية الفرنسية تتمثّل في حرية الاعتقاد أو عدمه، وفي إمكانية أن يمارس الفرد شعائره الدينية ما دامت لا تمس بالنظام العام. فالعلمانية تتجسد في حياد الدولة، لا في إلغاء الديانات في المجتمع، في المساحة العامة٬ والعلمانية هي لحام فرنسا الموحّدة. فإن كانت الروحانية تنبع من الشخص بحد ذاته، فالعلمانية شأن يعنينا جميعًا. لذا لا يجب على الجمهوريين الصادقين التراخي أمام الذين يسعون باسم مبدئ العلمانية إلى إثارة الانقسامات والمواجهات من خلال مواضيع متعددة تمثّل في معظم الأحيان جوهر محادثاتنا لا جوهر مشكلاتنا. وثمة قواعد تنظّم ذلك، لا بد من فرض الامتثال لها امتثالًا حازمًا وعادلًا، أينما كان ومن دون أي تنازلات. وفي السياق نفسه، يجب عدم الانزلاق في فخ الخلط بين المسلمين، ذاك الفخ الذي نصبه مثيرو الجدل والمتطرفون والذي يتمثّل في وصم جميع المسلمين دون تمييز. فهذا هو الفخ الذي ينصبه لنا أعداء الجمهورية والذي يتمثّل في جعل كل مواطن من الطائفة الإسلامية حليفًا متجردًا لأنه قد يكون ضحية نظام في غاية التنظيم. فهذا سهل للغاية.

فهذه هي النزعة الانفصالية الإسلامية التي يجب التصدي لها. إنه مشروعٌ واعٍ، قائم على نظرية واضحة، إنه مشروع سياسي ديني يتجسد في تناءٍ متكرر عن قيم الجمهورية، وغالبًا ما ينعكس في إنشاء مجتمع مضاد تطغى عليه مظاهر تسرّب الأطفال من المدارس، وتنظيم أنشطة رياضية وثقافية ضمن الطوائف والجماعات بحجة تعليم مبادئ لا تمتثل لقوانين الجمهورية. إنه غسل الأدمغة وبالتالي تجاهل مبادئنا كالمساواة بين الجنسين وكرامة الإنسان.

وتكمن المشكلة في أن هذا الفكر الذي يؤكّد أن قوانينه الخاصة تعلو على قوانين الجمهورية. ولطالما قلت أنني لا أطلب من أي مواطن أن يؤمن أو أن لا يؤمن، أن يؤمن قليلًا أو أن يؤمن باعتدال، فهذا ليس شأن الجمهورية، لكنني أطلب من كل مواطن بصرف النظر عن دياناته وحتى إن لم يكن لديه ديانة، أطلب منه أن يمتثل امتثالًا حتميًا لجميع قوانين الجمهورية. وفي هذه النزعة الإسلامية المتطرفة، بما أنها صلب موضوعنا، فلنتطرق إليها ونسمي الأشياء بأسمائها، رغبة مزعومة ومعلنة، تنظيم منهجي من أجل مخالفة قوانين الجمهورية وإنشاء نظام موازٍ وابتداع قيم أخرى واستحداث تنظيم آخر للمجتمع، تنظيم انفصالي بالدرجة الأولى، لكنه يرمي في نهاية المطاف إلى السيطرة التامة على هذا النظام. وهذا ما يفضي على نحو تدريجي إلى رفض حرية التعبير وحرية الوجدان والحق في التجديف، وما يؤدي إلى التطرّف بخبث. وتجدر الإشارة على سبيل المثال لا الحصر، إلى أن زهاء 170 شخصًا يخضعون للملاحقة بتهمة التطرف العنيف هنا في محافظة إيفلين. وقد يؤدي بهم المطاف إلى الجهاد أحيانًا. ونعلم أن 70 شابًا غادروا إلى سورية من المحافظة وهم في غالبية الأحيان أبناء الجمهورية الذين اختاروا هذا الدرب المنحرف وأدّى بهم المطاف إلى تنفيذ جريمتهم من خلال إراقة الدماء أو أسوء من ذلك أحيانًا. إنه أيضًا هذا الدرب الذي رأينا تجلياته يوم الجمعة الفائت على مقربة من مكاتب صحيفة شارلي إيبدو.

وفي هذا الصدد، عندما استذكر كل هذا، لا أنسى بالطبع الزمان والمكان اللذين نتحدث فيهما. الزمان وهو المحاكمة بشأن اعتداءات كانون الثاني/يناير 2015، وأوجّه رسالة تعاطف وأخوّة إلى أسر الجرحى والضحايا وذويهم الذي عاشوا لحظات الرعب في كانون الثاني/يناير 2015. وأودُّ ههنا أيضًا، بما أنني لا أنسى المكان، أن أوجه تحية إجلال إلى أرواح جميع ضحايا الإرهاب وخاصةً إلى قائد الشرطة جان باتيست سالفان وصديقته وزميلته جيسيكا شنيدر اللذين ما تزال ذكراهما حية في لي مورو.

وعندما أتطرق إلى كلّ هذا واستذكر كل مرحلة من هذه المراحل نوعًا ما، التي ليست طريقًا أحادي الاتجاه ولا واقعة حتمية، أودّ إزالة أي لبس وأي خلط. فلا يجب أن تُلغي أي واقعة غيرها من الوقائع. بيد أنه لا بد من الإشارة إلى أنه ثمة نزعة إسلامية متطرفة تقود إلى إنكار قوانين الجمهورية وإلى تسخيف العنف، وقادت في السابق بعض المواطنين وبعض الأطفال إلى اختيار الطريق الأسوأ أو إلى اعتبار أن هذا الطريق السيء أصبح طبيعيًا، بالتالي إلى بلورة ظروف انحراف سياسي لا بل انحراف عنيف يتمثّل في الإرهاب المتطرف. أمّا التحدي الذي نسعى إلى التصدي له في الوقت الراهن هو مكافحة انحراف البعض باسم الدين مع الحرص على ألا نشمل أيضًا الذين يريدون أن يؤمنوا بالدين الإسلامي وهم مواطنون في جمهوريتنا على أكمل وجه. وبالفعل فإن هذا الواقع يرهقنا منذ سنوات طوال.

وإن قُلتم إن ملايين المواطنين الفرنسيين يعيشون في الجمهورية كمواطنين على أكمل وجه وإنهم يؤمنون بالدين الإسلامي نردّ عليكم بالقول إنكم سخفاء وإنكم تغطون على أفعالهم وإنكم لا تضعون المشكلة نصب أعينكم. وإن أردنا الرد على هذه الانحرافات التي سبق وذكرتها، بما في ذلك أشكالها الأكثر تطرفًا، نقع في فخ وصم ديانة بأكملها.

فالطريق هو ما قمت برسمه للتو. عزل المشكلة، مشكلة النزعة الإسلامية المتطرفة، ومعرفة أن كل مرحلة من هذه المراحل يمكنها أن تؤدي حكمًا إلى المرحلة اللاحقة وبالتالي عدم التراخي مع أي تساهل أو أي وقاحة، وتسمية الأشياء بأسمائها وتقبّل أننا نواجه تحدٍّ استغرق عشرات السنين لكي يتّخذ شكله الحالي في بلدنا وأننا لن نهدمه في غضون يوم واحد. ولكن علينا معًا بفضل صحوتنا الجمهورية أن نقف بوجه من يريد أن يفرّقنا.

وكلُّ ما نعيشه اليوم كُتبَ عنه كثيرًا ووصف كثيرًا وخضع للتحليلات المعمقة. وإني بكل تواضع لا أدّعي أنني خبيرٌ في هذا المجال، لكن أودُّ أن أحدثكم باختصار عما أراه. فالإسلام ديانة تمر اليوم في أزمة في جميع أنحاء العالم. فهذه ليست أزمة في بلدنا وحسب، بل إنها أزمة متجذرة مرتبطة بالتوترات بين المذاهب الأصولية، تلك المشاريع الدينية السياسية التي نراها في جميع بقاع العالم والتي تقود إلى تشدد صارم للغاية حتى في البلدان التي يمثّل الإسلام فيها الديانة الغالبة. فلننظر إلى تونس، ذاك البلد الصديق على سبيل المثال لا الحصر. فمنذ ثلاثين عامًا، كان الوضع مختلفًا تمامًا في ممارسة هذه الديانة، وفي طريقة عيشها، والتوترات التي تشهدها مجتمعاتنا تنتشر أيضًا في تونس وهي من بين البلدان الأكثر تعلّمًا وتطورًا في المنطقة بلا شك. فثمة إذًا أزمة تعتري الإسلام، أينما تغلغل وأفسد بأشكاله المتطرفة، وبإغواءاته المتطرفة، وبتطلعه إلى الجهاد المبتدع المتمثل في تدمير الآخر٬ كمشروع الخليفة الذي حاربناه في الشرق الأوسط والذي نحاربه في منطقة الساحل، وأينما كان، إنها أشكال خبيثة بوجه عام، أشكال شديدة التطرّف. وبالتالي فإن هذه الأزمة تمسّنا نحن أيضًا.

يُضاف إلى ذلك التأثيرات الخارجية والتنظيم المنهجي للسلطات السياسية وللمنظمات الخاصة التي أنتجت تلك الأشكال الأكثر تطرفًا. ويجب أن نقرّ بأننا تساهلنا في ذلك، شأننا شأن غيرنا من البلدان الأجنبية. الوهابيون والسلفيون والإخوان المسلمون فالكثير من هذه الأشكال كانت في بداياتها سلمية٬ ثم تطوّرت أشكال تعبيرها تدريجيًا، حتى أصبحت متطرفة بحدّ ذاتها. فقد وجّهت رسائل تحثّ على الانقسام، وأعدّت مشروعًا سياسيًا، وأصبحت في رفض المساواة بين الجنسين مثلًا وفي التمويلات الخارجية وفي غسل الأدمغة من الخارج، وطاولت صلب أراضينا.

فهذا الواقع يمسنا، هذا الواقع يهددنا، وزاد انتشارًا في السنوات الماضية، ويجب أن نسمّي الأشياء بأسمائها.

ويُضاف إلى ذلك أيضًا تلك التربة الخصبة التي نما فيها كلُّ ما سبق وذكرته. ولقد أنشأنا بأنفسنا النزعة الانفصالية الخاصة بنا، تلك النزعة الانفصالية في أحيائنا، إنها القوقعة التي لم تردعها الجمهورية وأنشأتها بدايةً بحسن نية، فانتهجنا سياسية معيّنة أسميناها أحيانًا سياسة الإسكان، بيد أن ذلك أفضى إلى تركّز البؤس والصعوبات، ونعلم ذلك جيدًا. وأسهمنا بفضل سياستنا إلى تكاثف السكان في أحياء محددة حسب أصولهم وبيئتهم الاجتماعية، وإلى تجمّع الصعوبات التعليمية والاقتصادية في تلك الأحياء عينها. ورغم الجهود التي بذلها نوّاب الجمهورية ومحافظوها وأعضاء المجالس المحلية والتي أنوّه بها، لم نتمكّن لهذا السبب بالذات من إعادة تعزيز الاختلاط بما فيه الكفاية ولم نتمكّن بالأخص من أن نواكب سرعة انتشار هذه الظاهرة في ما يخصّ إتاحة التنقّل التعليمي والاجتماعي. ولقد أنشأنا أيضًا أحياء لم يَعُد يُنجز فيها وعد الجمهورية، أحياء حيث أن قدرة تلك الرسائل على استقطاب الناس وحيث أن أكثر أشكال التطرّف شدّة التي كانت مصدر أمل، قدّمت وما زالت تقدّم، فلنكن واضحين، حلولًا لتعليم الأولاد وتلقين اللغة الأصلية والعناية بالمسنين وتوفير خدمات متنوعة وإمكانية ممارسة الرياضية.

والحقيقة أن كلّ ما توقفت الجمهورية عن تقديمه لأنها كانت منهمكة بمشكلاتها ولأنها قصّرت أحيانًا في توفير الخدمات العامة، تولّت تلك المنظمات التي تروّج النزعة الإسلامية المتطرفة تقديمه فحلّت محلّ الجمهورية على نحو منهجي فلقد استفادوا من تقصيرنا وتراخينا لبناء مشروعهم، على نحو منهجي هنا أيضًا. لذا فإن قصور سياسة الإدماج التي ننتهجها وسعينا إلى مكافحة التمييز والعنصرية ومعاداة السامية التي تغذّي بعضها البض أسهمت تدريجيًا في تعزيز نمو هذه النزعة.

ويُضاف إلى كل ما سبق ماضي فرنسا الاستعماري والصدمات التي تلقتها وبكونها لم تسوِّ ذلك بوقائع تُعدُّ ركيزة روحنا الجماعية ومشروعنا والصورة التي نرى فيها أنفسنا. وتُعدُّ حرب الجزائر جزءًا من هذا الماضي وفي الواقع فكلّ هذه المرحلة من تاريخنا تُقيّمُ تقييمًا عكسيًا لأننا لم نطوِ بأنفسنا صفحة الماضي أبدًا. وبالتالي فإننا نرى بعض أبناء الجمهورية وأحيانًا نرى أولاد أو أحفاد مواطنين فرنسيين مهاجرين في الأصل ووافدين من المغرب العربي أو من أفريقيا جنوب الصحراء يعيدون إحياء هويتهم بواسطة خطابات تعادي الاستعمار أو تشبه خطابات فترة ما بعد الاستعمار. ونرى أولادًا في الجمهورية لم يعيشوا الاستعمار على الإطلاق ولدوا من أباء وأجداد يعيشون في أراضينا منذ زمن بعيد لكنهم وقعوا هم أيضًا في الفخ، ذاك الفخ المنهجي الذي نصبّه أولئك الذين يلجؤون إلى هذا الخطاب، إلى هذا النوع من كراهية الذات التي تعي الجمهورية وجودها، وإلى هذا النوع من المحرمات التي حافظنا عليها بأنفسنا وعكسنا أصولها مع تاريخنا، فكل هذا يغذّي النزعة الانفصالية. أُدرك كلّ عنصر من هذه العناصر على نحو منهجي، لكنها تختلط برمتها في حقيقة حياتنا، إنها تختلط بعضها ببعض وتغذي بعضها البعض. وإن هذا المشروع السياسي يمزج كلّ تلك الحقائق، لكنها هنا كلها، ولهذا السبب أطلقت على المشروع تسمية النزعة الإسلامية المتطرفة لأنها تنطلق أحيانًا من الدين ضمن مشروع منظّم.

لذا يتعيّن علينا التصدّي لهذه الأشكال المرفوضة والمتطرفة اليوم وفي المدى المتوسط متحلّين بالكثير من العزم والقوّة. ويجب علينا أيضًا أن نعيد السيطرة على كلّ تلك الأمور التي لم تردعها الجمهورية والتي أدّت إلى انجرار بعض شبابنا ومواطنينا وراء هذه النزعة الإسلامية المتطرفة. ويجب كذلك أن نعيد النظر في الصدمات وفي تقصيرنا لكي نعيد فتح هذا الكتاب. وأقول ذلك لأنه هذا ما يتعيّن علينا فعله معًا، فإذا كان خطابنا ناقصًا، نبعث فيه رسالة بسيطة إلى جميع الشباب في تلك الأحياء: "نحن لا نحبّكم، لا مكان لكم في الجمهورية، عودوا إلى حيث أتيتم." وإذا كان خطابنا سخيفًا، فثمة أشخاصٌ كثر سيبتعدون عن جمهوريتنا ويقولون لنا إننا لا نعرف سبل مواجهة مشكلاتهم اليومية، وإنهم يشهدون على كلّ تلك العواقب، ويروون المدارس تقفل أبوابها في أحيائهم، ويروون تلك الممارسات، والجمعيات والمُقرئين الدينيين. ويجب علينا مواجهة هذين الواقعَين معًا من خلال النظر في الموضوعين اللذين ذكرتهما للتو. وهذا ما سنبدأه اليوم معًا وقد يستغرق إنجازه سنوات طوال.

وإننا نعمل على هذا الموضوع ميدانيًا منذ اليوم الأول بكل ما أوتين من قوة وتصميم، ويبذل موظفونا قصارى جهدهم. ولن أكرر الآن كلّ ما أُنجز منذ ثلاث سنوات فيما يخصّ مكافحة الإرهاب، لكن الكثير من الإنجازات تحققت بفضل أجهزة الاستخبارات الفرنسية وقوى الأمن الداخلي في فرنسا والقضاة الفرنسيين. وأذكر مثلًا القوانين التي سُنّت منذ مطلع ولايتي الرئاسية، والتنظيم الجديد، وتعزيز التنسيق بين أجهزة الاستخبارات، وإنشاء نيابة عامة مخصصة لقضايا الإرهاب، وتوفير موارد أكبر وإفشال 32 مخطط اعتداء. لكن الوقائع تبدّلت أيضًا مواكبةً التغييرات التي ذكرتها. فلقد واجهنا إرهابًا مستوردًا. ولدينا ما نسمّيه الإرهاب المحلي المنشأ الذي هُجّنت أشكاله والذي ينبثق بالنسبة إلى البعض عن الانحرافات الناتجة عن النزعة الإسلامية المتطرفة أو الذي ينبثق بالنسبة إلى البعض الآخر عن علّة نفسية وعن التطرّف السياسي والديني، إذ أنه ثمة بعض الأشخاص المنعزلين كما نعلم الذين يمكنهم التطرف ببضع ساعات وحسب. لذا يجب علينا مواصلة جهودنا بعزم وقوة. هذه مهمة وزارة الداخلية، هذا التزام الوزارة وكلّ موظفيها والعاملين معها، هذه مهمة وزارة العدل أيضًا التي تواصل إفشال مخططات الاعتداء والمضي قدمًا في أنشطتها وبسط نفوذها.

ولقد عملنا منذ عام 2017 على مضاعفة مساعي مكافحة التطرّف بفضل أنشطة واضحة ومحددة وحازمة. فمنذ نهاية عام 2017، أُعدّت مجموعة من المخططات لمكافحة التطرف تُشرك جميع دوائر الدولة ونُفّذت بعيدًا عن الأنظار في 15 حيًّا وبطريقة سرية للغاية، وذلك بهدف التوصّل إلى نهج أكثر نجاعة بالتعاون مع جميع دوائر الدولة والقضاة ميدانيًا وأجهزة الاستخبارات. فقد أقفل 212 مقهى و15 دار عبادة و4 مدارس و١٣ مركزًا اجتماعيًا وثقافيًا، كما نُفّذت مئات عمليات المراقبة وضُبطت ملايين اليوروات في تلك الاحياء. ودفعتنا النتائج التي حققناها إلى توسيع دائرة نشاطنا على كامل الأراضي الفرنسية. وحققنا نتائج ملموسة وأثبت هذا النهج نجاعته، فقد قمنا بتوسيع دائرة تطبيق هذا النهج على كامل الأراضي الفرنسية. وأُنشئت في فصل الشتاء الماضي وحدات معنية بمكافحة النزعة الإسلامية المتطرفة وانطواء الطوائف والجماعات على بعضها البعض في كلّ المحافظات الفرنسية، مما أتاح منع بعض المؤتمرات التي تنظّمها مجموعات إسلامية متطرفة، ومنع تمويل جمعية تتستر خلف الغاية المعلنة لتأسيسها بغية ترويج النزعة الإسلامية السياسية، فضلًا عن إقفال مدرسة سرية ترتدي فيها فتيات في السابعة من أعمارهن النقاب، إلخ. فمنذ الأول من شهر كانون الثاني/يناير 2020، نُفّذت 400 عملية مراقبة وأُقفل 93 مكانًا مشبوهًا.

فالإنجازات تحققت وأتحمّل مسؤوليتها مع الحكومة وهي أشدّ تعبيرًا من الكلام، وسنواصل سعينا على المنوال عينه. وأود أن أشير إلى أي مدى ترتبط أعمال الحكومة بشأن مكافحة المخدرات والعصابات المنظمة بهذه الإنجازات، ففي معظم الأحيان تموّل هذه الشبكات الإسلامية المتطرفة عن طريق الإتجار بالمخدرات وعن طريق اقتصاد يغذّيها وينظّم تلك الفوضى الخاصة بهذه الأحياء أو ذاك النظام الموازي الخاص بها، إذا أمكن القول. فكل هذه الأفعال مرتبطة بعضها ببعض، تلك الخطة المنسّقة الحازمة التي سنواصل تنفيذها. ولم نكن أبدًا سخفاء أو أشباه الملائكة، فلم تُنفذ تلك الأنشطة سابقًا بهذه الروح التنظيمية وبهذا النهج المتّبع. فلا يتعيّن علينا اليوم مواصلتها وحسب بل يجب تعزيزها.

ويجب أن يكون ردنا أوسع وأقوى وأن يتوجّه إلى المشكلات الفعلية التي نصادفها ميدانيًا. ويستدعي ردنا اتخاذ تدابير تراعي النظام العام، وتدابير أخرى تعيد التزام الجمهورية، كما يستدعي في الأساس استراتيجية شاملة سأعرضها أمامكم وتقوم بنظري على خمس ركائز أساسية.

أنها الجهود التي تحشدها الأمة بأكملها، إنها الصحوة الجمهورية الذي ذكرته، فما تمكّنا من تصميمه وإعداده وحصده هي ثمار ملاحظات موظفينا الميدانية ونوابنا وأعضاء مجالسنا المحلية وجمعياتنا، لأنه يجب أن نبني ذلك معًا. ويندرج في صلب هذه الاستراتيجية، حشد جهود الكثير من الجهات الفاعلة وتحمّل البعض مسؤوليتهم، وسنعمل أيضًا على بلورة قانون في هذا الصدد. وسيعرض وزير الداخلية والوزيرة المنتدبة لديه في 9 كانون الأول/ديسمبر المقبل مشروع قانون في مجلس الوزراء، ويرمي مشروع القانون هذا بعد مرور 115 عامًا على اعتماد قانون عام 1905 نهائيًا، إلى تعزيز العلمانية وترسيخ مبادئ الجمهورية. وقد أسهم جميع الوزراء الحاضرين هنا في بلورة نص القانون هذا وأشكرهم لما فعلوه، وسيواصلون إثراءه في الأيام والأسابيع المقبلة بفضل المشاورات وسيجرون المناقشات النيابية مع الوزير والوزيرة المنتدبة لديه.

وينطوي المحور الأول من هذه الصحوة، من هذه الوطنية الجمهورية أولًا على مجموعة من تدابير النظام العام وحياد الدوائر العامة التي تمثّل ردًا تلقائيًا وحازمًا على حالات نلاحظها ونشهدها وتتنافى مع مبادئنا. وقام بعض النوّاب وأعضاء المجالس المحلية بفرض وجبات طعام معينة في مطاعم المدارس بسبب ضغوط مارستها عليهم مجموعات وطوائف معينة. ولدينا أمثلة عما حصل في محافظة سين-سان-دوني وفي إقليم نورماندي أيضًا. في حين أن بعض النواب وأعضاء المجالس المحلية يمنعون النساء أو الرجال من دخول المسابح في مواعيد محددة أو ينوون فعل ذلك. وهذا ما حصل فعلًا في إحدى المدن القريبة من هنا حيث طالبت النساء بإعطائهن مواعيد محددة لدخول المسابح تختلف عن مواعيد الرجال. وعندما سيصوّت على هذا القانون، سيجوز للمحافظ تعليق القرارات البلدية المتّخذ بهذا الصدد مع الإشارة إلى تقصير الجمهورية، وإن لم يُنفذ قراره، سيحلّ محل السلطة المحلية بموافقة القاضي. إنه تدبير لحماية ما يُعرف بحياد دوائر الخدمات العامة وما يُعرف أيضًا بحفظ النظام العام. وهذا ما يتيح في بعض الأحيان حماية نوابنا وأعضاء مجالسنا المحلية من تلك الضغوط التي تُمارس عليهم، لأنني لا أقلل من وقع بعض الضغوط الميدانية التي تُمارس على البعض.

وسوف يتضمن هذا القانون قرارات عملية تتناول العديد من المواضيع المرتبطة بالقطاع الطبي وبالتخطيط العمراني، وهي قرارات تتعلق بحالات لاحظناها ميدانيًا تتنافى مع النظام العام والمساواة بين الجنسين ومن الضروري تسويتها بكثير من الهدوء والاحترام والتنظيم العملي.

وفيما يخصّ الخدمات العامة التي تتولى تنفيذها شركات خاصة ولا سيما النقل العام، لاحظنا في السنوات الأخيرة تزايد الانحرافات، التي تثير السُخط والتي تترافق ونوع من أنواع العجز والفشل لأنها تنطوي على تحايل على القانون. فثمة بعض المراقبين في وسائل النقل العام الذين يمنعون دخول الفتيات إلى الباصات بسبب لباسهن، إذ يعتبرون أن لباسهن غير لائق، وثمة أيضًا بعض الموظفين المنتدبين من شركات خاصة الذين يمارسون مهام أوكلتها إليهم المدينة أو المحافظة أو الدولة والذين يطالبون بوضع رموز دينية بادية للعيان في أثناء ممارستهم مهامهم الوظيفية. ونلحظ أيضًا تنامي مظاهر شديدة التطرف، ففي الأشهر القليلة الماضية، قمنا بكثير من الاهتمام بمتابعة أكثر من 80 شخصًا يعملون في مطار شارل ديغول.

وتدلّ كلّ هذه المواضيع على أنه حيث كان حياد الدوائر العامة واضحًا وقائمًا ويكفله موظفو القطاع العام في أماكن خاضعة للرقابة، انتشرت سلسلة من الانحرافات ما إن أوكلت مهام تلك الدوائر العامة إلى شركات خاصة. وسيتيح هذا القانون على نحو عملي إلزام موظفي القطاع العام بتوخي الحياد في أثناء ممارستهم مهامهم الوظيفية بطبيعة الحال، وسيُوسّع نطاق تنفيذه ليشمل موظفي الشركات المنتدبة، الأمر الذي لم يكن كذلك حتى الآن. وهذا ما سيتيح لنا أن نردّ على كلِّ حالة من الحالات المرفوضة التي ذكرتها ردًا واضحًا وحازمًا، وأن نتجّنب تلك الانحرافات وأحيانًا تلك الضغوط غير المقبولة. ويجب أن نتصدّى لكلّ هذه الأفعال المنافية لمبادئنا، وهذا ما نقوم به بكلّ حزم واقتناع. المراقبة والملاحقة وإنزال العقاب. لكن هذا وحده لا يكفي.

وبوجه النزعة الإسلامية المتطرفة التي يتفاخر البعض بها، يجب أن نعزز الوطنية الجمهورية التي نتمسّك بها وأن نذهب إلى أبعد من ذلك أيضًا. فالمحور الثاني يتعلّق بالجمعيات، فجمعياتنا ركن من أركان ميثاقنا الجمهوري وهي في غاية الأهمية، وإن وزير التربية الوطنية والشباب والرياضة يعلم جيدًا مدى أهميتها وكذلك النوّاب وأعضاء المجالس المحلية الحاضرين هنا اليوم والمحافظ أيضًا، أعتقد أنهم يعلمون ذلك هم أيضًا. فجمعياتنا هي جهات فاعلة وجهات وسيطة قامت عبر التاريخ بإنشاء مساحة للحياة لتشاطر قيمنا خارج مساحة الجمهورية وخارج مساحة شعائرنا الجمهورية وخارج المساحة المخصصة للمدرسة. ومن المنطقي إذًا أن يلجأ كلُّ من يحمل راية مشروع النزعة الإسلامية المتطرفة إلى نطاق الجمعيات لأنها بنظرهم الشكل أو المساحة الأكثر نجاعة لنشر أفكارهم، وتقديم خدمات لم تعد تقدّمها الجمعيات العلمانية وغيرها من الجمعيات التي تمتثل لقانون الجمهورية وأحيانًا خدمات لم تعد تقدّمها الجمهورية بحدّ ذاتها، ونشر خطاب إسلامي متطرف بواسطة تلك الجمعيات بطريقة خفية أو معلنة أمام الجميع. وما نلاحظه معكم ومع وسائط الإعلام والمحافظين والجامعيين الذين يعملون على هذا الموضوع أن الكثير من الجمعيات التي توفر أنشطة رياضية أو ثقافية أو فنية أو لغوية أو غيرها والتي أُنشئت بهدف مواكبة الفئات السكانية الأكثر ضعفًا أو بهدف تقديم المساعدات الغذائية تنشر في الواقع استراتيجيات ترمي إلى غسل الأدمغة.

ويجب على الجمعيات أن توحّد الأمة لا أن تفككها٬ ولن نتراخى بشأن هذا المبدأ الذي يندرج في صلب الحرية المرتبطة بحماية الجمعيات في بلدنا وبالوضع القانوني المميز الذي تتمتع به في جمهوريتنا. وكانت دوافع حلّ الجمعيات في مجلس الوزراء محدودة للغاية إلى حدّ الآن٬ محدودة على الإرهاب والعنصرية ومعاداة السامية٬ لكنها ستشمل من الآن فصاعدًا المساس بكرامة الإنسان وبممارسة الضغوط النفسية والجسدية.

ويجب أن نذهب إلى أبعد من ذلك. لذا سنقوم بتعزيز المراقبة٬ وإدراج المبادئ التي يمكن بموجبها حلّ الجمعيات في القانون والاضطلاع بمسؤولياتنا بموجب مبادئنا الجمهورية ودون انتظار وقوع الأسوأ والمضي في حلّ الجمعيات التي تثبّتنا من أنها تحمل تلك الرسائل ومن أنها تخالف قوانيننا ومبادئنا. ولكن قبل الوصول إلى ضرورة حلّ تلك الجمعيات٬ لا بد من النظر في مصادر تمويلها. لذا يجب على كلّ جمعية تتقدم بطلب الحصول على مساعدة مالية من الدولة أو من إحدى السلطات المحلية أو الإقليمية أن توقّع عقد يقضي باحترام قيم الجمهورية والحد الأدنى من ضرورات الحياة الاجتماعية حسب تعبير المجلس الدستوري. وفي حال فسخ العقد٬ يجب إعادة المال لأنه لا يجوز استعمال المال العام لتمويل الانفصاليين بطبيعة الحال. ولقد شرع الكثيرون في تنفيذ ذلك٬ وأعرف أنه في محافظتكم بدأ الكثير من أعضاء المجالس المحلية إلزام الجمعيات الرياضية بتوقيع ميثاق العلمانية. وهو عقد معزز ومشترك سنقترح له نموذجًا موحّدًا نعممه على السلطات المحلية والإقليمية وسنطبقه على كلّ الجمعيات٬ وهذا ما بدأناه بالفعل. وقد باشرت الوزيرة تطبيق ذلك على جميع الجمعيات المرتبطة بوزارة الشؤون الحضرية٬ ونعمل أيضًا على تعميمه على جميع الجمعيات المرتبطة بالوزارة المعنية بالرياضة نظرًا إلى ضرورته. ونرغب في أن تفرض الدولة والسلطات المحلية أو الإقليمية في كامل الأراضي الفرنسية توقيع هذا النوع من العقود واحترام تلك الضرورات والقواعد عينها فيما يخصّ مراعاة التمويلات٬ إضافةً إلى مراقبة تلك الجمعيات ومتابعة وضعها المالي وإلزامها بإعادة المال كما ذكرت آنفًا.

وعليه سيتيح هذا القانون تعزيز مراقبة الجمعيات وتعزيز احترام قيمنا الجمهورية وسيفرض أيضًا قيود جديدة بشأن احترام مبادئنا فيما يخصّ التمويل٬ كما سيتيح حلّ الجمعيات عند مخالفة القوانين بناءً على المبادئ التي ذكرتها. وهذا ضروري ونعمل على تطبيقه مع الحرص طبعًا على احترام حرية تأسيس الجمعيات٬ وبمؤازرة وزير العدل ووزير الداخلية٬ وأشكرهما على ذلك. لكن أعتقد أننا سنتمكّن بفضل هذه الآلية من العمل بفعالية أكبر وإقفال المؤسسات غير المرغوب فيها وزيادة الضغوط على الجمعيات التي تنحرف سرًا عن مسارها الأساسي.

ويتمثّل المحور الثالث من استراتيجيتنا في المدرسة. وهو أمر ضروري جداً، وكما تلاحظون فإنني مع تقدمي في هذه الكلمة بدأت أدخل، إذا جاز التعبير، في حميمية حياتنا الجمهورية. فالمدرسة بوتقة الجمهورية. وهي التي تضمن حماية أطفالنا بصورة كاملة إزاء أي شارةٍ دينية أو ديانة. والمدرسة بحق قلب المساحة العلماني والمكان الذي نربي فيه الضمائر لدى الأطفال ليصبحوا مواطنين أحراراً وعقلانيين وقادرين على اختيار حياتهم. لذا فإن المدرسة هي كنزنا الجماعي٬ وهي التي تتيح لنا في مجتمعنا تشييد هذا البنيان المشترك المتمثل في الجمهورية.

غير أننا في هذا المجال أيضاً، رأينا انحرافات وأشكال تحايل يجب علينا مكافحتها. هناك حالياً 50 ألف طفل يتابعون تعليمهم في المنزل، وهو عدد يرتفع كل عام. وفي كل أسبوع يكتشف مديدو ومديرات المدارس حالات لتلاميذ أصبحوا خارج النظام التعليمي تماماً. وفي كل شهر، يقوم المحافظون بإقفال "مدارس" غير مرخصة للتدريس وغير قانونية وغالبًا ما يديرها متطرفون دينيون. هذه الظاهرة التي نشاهدها في جميع الأراضي الفرنسية تحدث بصورة بسيطة، حيث يتوجه ولي أمر التلميذ إلى المدرسة لمقابلة المدير أو المديرة قائلاً: "لا تعطوا درس الموسيقى بعد الآن، وإلا فلن يعود ابني إلى المدرسة. ولا تعطوا درس السباحة مع الآخرين بعد الآن وإلا فلن يعود ابني إلى المدرسة". ثم تُقدّم شهادات طبية للحساسية من الكلور، ثم يتكرر الغياب وأخيراً يتسرب التلميذ من المدرسة. ويقول ولي الأمر: "سنسجله في المركز الوطني للتعليم عن بعد CNED. وسيكون ذلك جيداً جداً، وأسهل بالنسبة إلينا". ولا يتوجه هؤلاء الأطفال إلى المركز الوطني للتعليم عن بعد. وأحياناً لا يتلقون أي تعليم. بل يلتحقون بمؤسسات غير مصرح بها إطلاقاً. وفي الأسبوع الماضي كشفنا واحدة من هذه المؤسسات في إقليم سين-سان-دوني. وكانت عبارة عن بناء بسيط جداً مع جدران وتكاد لا توجد فيه نوافذ. كان الأطفال يصلون يومياً في الساعة الثامنة صباحاً ويغادرون في الساعة الثالثة بعد الظهر، وكانت تستقبلهم نساء منقبات. أما فيما يتعلق بالتدريس، فصلوات وبعض الحصص الدراسية. هذا هو التعليم الذي يتلقونه. إنه الواقع الذي يجب النظر إليه كما هو وتسمية الأشياء بأسمائها.

وفي هذا الصدد، وفي مواجهة كل هذه الانحرافات التي تستبعد آلاف الأطفال من التعليم على المواطنة ومن الانتفاع بالثقافة والاطلاع على تاريخنا وقيمنا وتجربة الآخر التي تجسد صلب مدرسة الجمهورية، لقد اتخذت قراراً، مع إدراكي لحجمه، حيث ناقشناه مطولاً مع الوزراء، وهو بلا شك أحد أكثر القوانين تطرفًا منذ قوانين عام 1882 والقوانين التي ضمنت التعليم المختلط بين الفتيان والفتيات في عام 1969. واعتباراً من بداية العام الدراسي 2021، سيكون التعليم في المدرسة إلزامياً للجميع اعتباراً من سن 3 سنوات. وسيكون التعليم المنزلي محدوداً ولا سيما لدواعي صحية. لذا نحن بصدد تغيير نموذجنا، وهو أمر ضروري. ولا يمكن للمدرسة أن تتعرض بأي حال من الأحوال لتدخلات أجنبية.

لقد لاحظنا أن النظام المعروف بتعليم لغات وثقافات المنشأ (ELCO) هو الذي كان يؤدي بموجب إطار تعاقدي مع بلدان المنشأ إلى وجود مدرسين على أراضينا لا يتقنون في بعض الأحيان اللغة الفرنسية ويقومون بالتدريس في إطار هذا النظام. أذكر هنا بأن تعليم لغات وثقافات المنشأ كان يندرج في إطار عقود مع الجزائر والمغرب وتركيا، ودروس التعليم بذاتها لم تكن تمتثل لقوانين الجمهورية أو المبادئ الأساسية لبرامجنا.

وفقاً لما أعلنته في الشتاء الماضي في مدينة ميلوز، قام وزير التربية الوطنية ووزير أوروبا والشؤون الخارجية بالعمل تماماً من أجل وضع حد لهذا النظام وضمان العمل بنظام واحد فقط، هو نظام التعليم الدولي للغات الأجنبيةEILE ، حيث يمكننا الحصول وفق هذا النظام على تعليمٍ، على سبيل المثال باللغة العربية، عبر التعاقد مع هذه الدول، مع احتفاظنا بدور رقابي على المعلمين، وعلى احترام قيمنا والقدرات اللغوية الفرنسية لهؤلاء المعلمين، أي تمارس وزارة التربية الوطنية رقابة حقيقية على جودة المعلمين والتعليم. لقد أصبح هذا الأمر حقيقة اليوم. ونحن حالياً في طور وضع اللمسات الأخيرة على الشروط الأخيرة للمفاوضات. ولكن وفي نهاية هذه المفاوضات الشاقة مع البلدان الثلاثة التي ذكرتها، سنضع حداً لنظام تعليم لغات وثقافات المنشأ (ELCO) بصورة فعلية. لم يعد هذا الأمر مجرد مشروع يتم إثارته أو مناقشته في بعض الأحيان، بل أصبح حقيقة.

وبالإضافة إلى ذلك، ولأن المدرسة يجب أن تغرس أولاً قيم الجمهورية وليس قيم دين من الأديان، وأن تقوم بتعليم المواطنين وليس المؤمنين، وسنعزز الإشراف على المدارس التي تعمل دون عقد، والتي زاد مستوى مراقبتها أصلاً بفضل التقدم الكبير الذي جاء به القانون المعروف باسم جاتيل.

أقولها هنا بكل وضوح، إن حرية التعليم مهمة في جمهوريتنا والأمر لا يتعلق بأي حال من الأحوال بالتشكيك في هذه الحرية، أو تأجيج المشاعر التي شهدتها بلادنا في الماضي والتي من شأنها أن تأتي بنتائج عكسية. وأعتقد أنه هنا أيضاً لا ينبغي أن يكون هناك أي خلط. إن حرية التعليم مسألةٌ نعرف كيف نتعايش معها ولقد نظمنا أنفسنا لذلك والأمور تتقدم جيدًا. ولكن فيما يتعلق بالمسارات المهنية لطواقم الموظفين، والمضامين التعليمية للدروس، ومصادر التمويل، فمن الطبيعي أن تعزز الدولة الرقابة عليها. لقد واجهنا جميعاً في الأشهر الأخيرة حالات تتعلق بمدارس ثانوية وإعدادية كانت تمولها أحيانًا الدولة والأقاليم ولم يكن لدينا رؤية كاملة بشأنها لأن القانون لم يكن يسمح بذلك. وإننا نستيقظ دائماً عندما تحدث فضيحة، وهذا هو الأمر الأسوأ. لذا تقرر منح الوزارة، على وجه التحديد، أساليب ووسائل لممارسة الرقابة على كل موضوع من هذه الموضوعات ولتكون قادرة على اتخاذ قرارات بالإغلاق الإداري عندما يستدعي الأمر ذلك، ويجب الاضطلاع بهذه المسؤولية مع الحرص على احترام حرية التعليم ودون إثارة غير مفيدة للمشاعر.

بُنيت الجمهورية حول المدرسة التي لا تعمل على تدريب الأفراد فحسب بل تقوم بتربية المواطنين وصوغ عقول حرة. لهذا السبب أنا على قناعة بأن الجمهورية ستقاوم بفضل المدرسة أولئك الذين يريدون محاربتها أو تقسيمها، وبفضل المدرسة سنتيح لجميع أطفالنا اكتساب المعرفة والثقافة والتحلي بالروح المدنية الخاصة بالجمهورية لكي يصبحوا بالتالي مواطنين ومواطنات بصورة كاملة.

فهذا المشروع، كما ترون، طموح للغاية. وبُذل من أجله قدرٌ كبير جداً من العمل وأريد حقاً أن أشكر الوزراء على ذلك، وهو بالنسبة إلي ركن أساسي من أركان هذه الاستراتيجية، ركن إيجابي وحاسم.

والمحور الرابع للاستراتيجية التي ننوي قيادتها في هذه الصحوة الجمهورية، يتمثل في نهاية المطاف ببناء إسلام في فرنسا من شأنه أن يكون إسلام التنوير. إني أتوخى دائماً الحيطة عند استخدام مثل هذه العبارات. فلقد سمعنا الكثير منها. لقد تم الحديث عن إسلام فرنسا. ولا أريد في هذا المقام الدخول في نقاشات بشأن المعنى والدلالات، لأنني لاحظت أنه عندما أقوم بذلك، أسمع كمًّا هائلًا من التعليقات. لذلك لا أعتقد أنه ينبغي أن يكون على هيئة إسلام غاليكاني، كلا. لكن يجب أن نساعد هذا الديانة في بلادنا على تنظيم نفسها لتكون شريكاً للجمهورية في الشؤون التي نتشاركها. وهذا طبيعي. وقامت الأديان الأخرى ببناء نفسها بهذه الطريقة، أولاً، لأن ذلك هو تاريخها، وفي بعض الأحيان يمكن القول بأنه هيكلها ذاته، وتعلمنا أن نعيش معاً. وهنا أيضاً، علينا أن نكون واضحين مع أنفسنا.

عندما صدر قانون عام 1905، لم يكن الإسلام حاضراً في بلدنا كما هو الحال في يومنا هذا. وقد زاد انتشار الدين الإسلامي في السنوات الأخيرة من خلال موجات الهجرة أو بالأحرى من خلال موجات الهجرة في القرن العشرين. وهكذا، فإننا أمام واقع لا يتوافق تنظيمه مع أساليبنا أو أدواتنا الخاصة. ولا يضطلع المحاورون لنا اليوم بمسؤولية دينية حقيقية. وبالتالي، من الصعب جدًا على الوزير المكلّف بشؤون الديانات، والمحافظين، ورؤساء البلديات، معرفة الجهة التي ينبغي التحدث معها عندما يريدون تناول موضوعات تتعلق بالدين وذات تأثير في حياتنا المجتمعية وأحيانًا في النظام العام. لأن الديانة غير منظمة لتحقيق ذلك.

وإننا نعمل بجد على هذا الموضوع منذ ثلاث سنوات. لقد تحدثت تقريباً مع جميع المتخصصين والجهات الفاعلة الأفرقة الإدارية المختلفة في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. وفكرت في وقت ما في اتّباع نهج الصلح لتنظيم العلاقة بين الديانة الإسلامية والدولة، لكنني أعتقد أنه لم يكن مناسباً للعصر الذي نعيش فيه، فمن شأنه أن يحدث قطيعة مع الأديان الأخرى، ويجعل إطاره القانوني هشًا للغاية، وأعتقد أنه كان سيؤدي بلا شك إلى إثارة أفكار تفضي إلى نتائج عكسية. أنتِ أيتها الدولة ستهتمين بتنظيم الإسلام، إذاً أنتِ من ستمولين كذا وكذا من أموال الشعب الذي يدفع الضرائب؟ أترككم تتخيلون المآل الذي كنا سنصل إليه، نظراً إلى المناقشات الانفعالية وغير المنطقية التي نشهدها أحيانًا بهذا الشأن.

لهذا السبب شرعنا في العمل على الهيكلة وتحديد المسؤوليات المشتركة. قبل أكثر من عامين بقليل، طلبت وزارة الداخلية من كل محافظ تحديد الجهات المحاورة في موضوع الإسلام في المحافظات، الأمر الذي لم يُنجز فعلاً إلى اليوم، حيث كما تعلمون توجد المجالس الإقليمية للديانة الإسلامية. أمّا الآن فقد أنجزنا هذا العمل الذي أتاح تحديد المحاورين في كل محافظة، أو بعض الأقاليم بصورة مشتركة بين المحافظات، وبالتالي تنظيم الحوار. وقمنا بعمل حقيقي وفكّرنا مليًّا مع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهذا هو الطريق الذي سنمضي فيه معاً. هذا يعني أننا سنحاول سوياً بناء منظمة تمكننا، كما آمل وكما أعتقد، من بناء إسلام التنوير في بلدنا، أي إسلام مسالم في الجمهورية يتقيّد بجميع قواعد الفصل ويسهم في تهدئة جميع الأصوات. فليست مهمة الدولة هيكلة الإسلام، لكن يجب أن نتيح وأن نواكب هذا البزوغ، وإن هذا الحوار وكل هذه التحضيرات هي التي مكّنتنا من القيام بذلك.

أولاً، وهذه هي النقطة الأولى في هذا الشأن، يتعين تحرير الإسلام في فرنسا من التأثيرات الأجنبية. في هذا الصدد، سنحقق ذلك بطريقتين، لأن هناك نوعان من التأثيرات، هناك تأثير مرئي وصريح، وهناك تأثير يكون أحيانًا أكثر عمقاً وخطورة مع أنه أقل وضوحاً وصراحةً.

والتأثير الأول الذي قررنا تقليصه، بالتشاور مع البلدان، هو تنظيم الإسلام القنصلي بحد ذاته. وكما تعلمون، إننا بلد يقوم بتنظيم إعداد الأئمة في دول أجنبية، وكذلك إعداد المقرئين الدينيين الذين نقوم بإحضارهم بصورة منتظمة، فتركيا والمغرب والجزائر هي التي ترسل لنا هؤلاء الأئمة والمقرئين. ولقد قررنا أن ننهي هذا النظام بطريقة هادئة تماما وبالتشاور مع تلك البلدان. وسننفّذ ذلك في مرحلة انتقالية تستغرق أربع سنوات تقريباً، حيث ينبغي القيام بهذه الأمور تدريجيًا، ولأننا، وسأعود إلى هذه النقطة لاحقاً، سنقوم بإعداد أئمتنا ومقرئينا المسلمين في فرنسا بأنفسنا. ولذلك يجب فك هذا الارتباط المسمى بالإسلام القنصلي. لأنه يؤجج الخصومات ويغذي الاختلالات وبشكل أساسي يستمر في رفع تلك الأنا العليا لفترة ما بعد الاستعمار التي ذكرتها سابقًا، مع الكثير من الغموض، ولا يتيح المضي قدمًا بشكل صحيح في هيكلة هذه الديانة في بلدنا. وأقول هذا بطريقة هادئة للغاية وبالتوافق مع كل من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية والبلدان الثلاثة التي ذكرتها. وبالتالي فإننا نكون قد وضعنا حداً لهذا الارتباط وهذا التأثير الأجنبي.

أمّا التأثير الآخر، الأكثر خبثاً والأكثر خطورة، فهو تأثير التمويل. إلى الآن، كان هناك نوع من الغموض. الكثير من الهياكل كانت تستخدم قانون عام 1901 لتمويل أنشطة دينية مع قدر كبير من الغموض. هذه الهياكل كانت تظهر على أراضينا بأعداد كبيرة إلى درجة أننا كنا نكتشف لاحقاً بأنها ممولة من المؤسسة الفلانية، وأحيانًا من الدولة الأجنبية الفلانية، أو من المصالح الفلانية، ودون الكثير من الشفافية. وبالتالي، وستُشجع المساجد على التخلي عن نظام الجمعيات والتحول للعمل بموجب النظام المنصوص عليه في قانون عام 1905، وهو أكثر فائدة من الناحية الضريبية ويمكن مراقبة مصادر تمويله الأجنبية بصورة أفضل في نفس الوقت. وبالإضافة إلى ذلك، فإن كل أولئك الذين سيستمرون في اختيار العمل بقانون عام 1901، سيخضعون إلى رقابة مشددة جداً فيما يتعلق بمصدر التمويل والرقابة على هذا المصدر وشفافية الأموال التي يحصلون عليها.

وماذا سنفعل إن أردنا التوجّه بعبارات بسيطة إلى أولئك الذين يعرفون هذه المسائل؟ بالنسبة إلى جميع الجمعيات الدينية المسجلة في إطار قانون عام 1901، سنخضعها لجميع القيود التي كانت موجودة في إطار قانون عام 1905، ودون الاستفادة من مزاياه الضريبية. عادة، يمثل هذا الأمر حافزاً للتوجه نحو قانون عام 1905. ولكنه يمثل خصوصاً، نهاية نظام الغموض. لا يتعلق الأمر هنا بحظر التمويل الأجنبي، بل يتعلق بكل بساطة بتأطيره وضبطه وجعله شفافًا. وهذا عنصر أساسي أيضاً لتحرير الإسلام في فرنسا من التأثيرات الأجنبية التي نادراً ما تسعى إلى الأفضل، وكما رأينا، فإنها غالباً ما تسعى إلى الأسوأ. إنها حقًا مسألة تتعلق بالعودة إلى العمل بروح ونص قانون عام 1905، الذي أسهم التحايل والإهمال على مدى عقود من الزمن في تمييعه عملياً. وما سنفعله في الواقع بالنسبة إلى جميع دور العبادة هو تعزيز الرقابة على التمويل وعلى الجمعيات التي تديرها، وتعزيز رقابتنا كما ذكرت سابقًا في المحور الثاني، على طبيعة ما يقال فيها والأنشطة المنفذة داخلها وفرض احترام قيم الجمهورية على كلّ النساء والرجال الذين يدافعون عن تلك الجمعيات أو يقومون بإحياء أنشطتها.

أما بعد، فإن الإرادة المتمثلة في حماية المسؤولين عن المساجد من الانقلابات وعمليات الاستيلاء العدائية التي يقوم بها متطرفون، يمثّل مقومًا مهماً للغاية في هذه الهيكلة. إن ما نشهده اليوم على أراضينا، وأنا أعلم أن النوّاب وأعضاء المجالس المحلية هنا قد لاحظوا ذلك وأحيانًا اختبروه بأنفسهم، وهو عبارة بالأساس عن عمليات استيلاء عدائية تحدث فجأة على مستوى المساجد لتغيير مسؤولي الجمعية الثقافية في غضون أيام قليلة. ونستيقظ بعد أيام قليلة لنجد أن إسلاميين متطرفين قد استغلوا مواطن الضعف في النظام الأساسي للسيطرة على الجمعية وجميع موارد تمويلها وتنفيذ أسوا السياسات فيها. لن يحدث ذلك بعد الآن. ما سنقوم به على نحو واضح جداً هو وضع أحكام قانونية مضادة للانقلابات ومتينة جداً، تمنع هذه الأطراف التي تتمتع بكثير من الدقة والتعقيد من استغلال مواطن الضعف في القواعد الخاصة بنا للتسلل من خلالها والسيطرة على الجمعيات الدينية والمساجد والقيام بنشر الأسوأ، وتنظيم الأسوأ، والقيام غالباً في إطار الجمعيات الدينية بأنشطة غير دينية على الإطلاق، ما تلبث وتصبح سياسية، إلخ.

أخيرًا، إن الطموح المتمثل في تدريب جيل من الأئمة في فرنسا والنهوض بهم وبمفكرين من شأنهم الدفاع عن إسلام يتوافق تماماً مع قيم الجمهورية أمر ضروري. فالإسلام ديانة حاضرة في فرنسا. أعرف أن الكثيرين لا يريدون رؤيته ويعتقدون أنه في ذلك وسيلة فعالة لمحاربة الإسلام المتطرف. وأعتقد أن ذلك ضرب من الغباء. أولاً لأن إنكار الواقع ليس طريقاً جيداً أبداً وثانياً لأنه، وكما قلت لكم سابقًا، أعتقد أن ذلك سيكون أعظم هدية يمكن أن نقدمها لأولئك الذين يريدون قلبَ الجمهورية. لكن يجب، كما ذكرت، أن ننجز عملية الهيكلة.

لذا فإننا اتفقنا مع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية على أن يقوم المجلس من الآن وحتى أجل أقصاه ستة أشهر، بإنهاء العمل الضروري والذي بوشر أصلاً منذ عدة أشهر. وينطوي هذا العمل أولاّ على إنشاء دورات لإعداد الأئمة في بلدنا. وثانياً، تحمّل مسؤولية دينية تتمثل في اعتماد الأئمة. ثالثاً، تحرير ميثاق يؤدي عدم الالتزام به إلى عزل الأئمة المعنيين. وسيوفر تنظيم الحج موارد تمويل ضرورية. لقد قمنا بعمل كبير للغاية مع المملكة العربية السعودية لتنظيم هذا الحج، وفي هذا المجال أيضاً قام كل من المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية والجمعية الإسلامية للإسلام في فرنسا بالعمل على تقديم حلّ من شأنه توفير تمويلات وإعداد الدورات التدريبية.

وليست الدولة هي من ستتكفل بالقيام بما وصفته لكم، وذلك طبقاً لمبدأ الفصل، بل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. إنني أثق بالمجلس وهذه مسؤولية كبيرة نكلفه إياها. ولكن وفي نفس الوقت، ذكرت قبل يومين مع الوزير لممثلي المجلس بأننا سنمارس عليهم ضغطاً هائلاً، لأنه ليس لدينا الحق في الفشل. وأعتقد بأننا اليوم بحاجة فعلاً إلى ذلك.

أما فيما يتعلق بالبعد الفكري والدنيوي، فيجب على الدولة أيضاً المشاركة. أي الالتزام ودعم كل ما من شأنه أن يتيح لنا في بلدنا تحقيق فهم أفضل للإسلام وأيضاً وتقديم تدريب فكري وأكاديمي أفضل لرجال الدين، ولكن أيضاً لجميع مواطنينا المهتمين بهذه الديانة وبهذه الحضارة وذلك بهدف التعرف إلى بعضنا البعض بشكل أفضل، ففي ذلك رهان بالنسبة إلينا أيضاً. ولهذه الغاية، سندعم بمبلغ يصل حتى عشرة ملايين يورو المبادرات التي ستتخذها مؤسسة الإسلام في فرنسا في مجالات الثقافة والتاريخ والعلوم. وإني أفكر تحديدًا في تطوير الدراسات الإسلامية الرفيعة المستوى في الجامعة. لقد قررت أيضاً أن نقوم بإنشاء معهد علمي لعلم الإسلام، ومن خلال الاستفادة من قانون التعليم العالي والبحث، سننشئ وظائف إضافية في التعليم العالي لمواصلة العمل، أو استئنافه أحياناً، في مجال البحث ليس فقط بشأن الحضارة الإسلامية، ولكن أيضاً بشأن المغرب العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.

وفي الكثير من هذه الموضوعات التي كانت فرنسا متفوقة فيها أكاديمياً، تم إضعافها وتخلينا عنها. وبذلك، تركنا الجدل الفكري للآخرين، لمن هم خارج الجمهورية ليضفوا عليه الطابع الإيديولوجي، ولكن في بعض الأحيان لصالح جامعات أخرى. وأعني هنا الجامعات الأنجلو ساكسونية، التي تتمتع بتاريخ يختلف عن تاريخنا. وعندما أرى اليوم نظريات معينة في العلوم الاجتماعية مستوردة بالكامل من الولايات المتحدة الأمريكية مع مشكلاتها، التي أحترمها والتي هي موجودة فعلاً، ولكن هذه المشكلات تأتي لتضاف إلى مشكلاتنا، أقول لنفسي إنه من غير المعقول ألا نتخذ هذا الخيار. ولذا يجب علينا، بكل وضوح، أن نركز مجدداً على العلوم الاجتماعية والتاريخ ومعرفة الحضارات على نطاق واسع من خلال إنشاء الوظائف وتعزيز الحوار والنقاش الأكاديمي والعلمي، حتى لا نترك مسألة معرفةِ الإسلام وفهمه كدين والحضارة التي يحملها ومساهمته في بلدنا وقارتنا لتكون محط نقاشات إيديولوجية وسياسية بصورة حصرية.

وسنقوم بهذه المهمة أيضاً بمنهجية دقيقة وإرادة قوية. وأريد أن تصبح فرنسا بلداً يُدرّس فيه فكر ابن رشد وابن خلدون، وأن نصبح بلداً متفوقاً في دراسة الحضارات الإسلامية. نحن مدينون بذلك لأنفسنا وللكفاح الذي كنت قد ذكرته. لأن هذا المشروع الذي أعرضه عليكم اليوم لن يتكلل بالنجاح إن لم نعرف ونفهم على نحو أفضل الحضارات التي تتعايش على أراضينا، وذلك نظراً إلى واقع الشعب الفرنسي اليوم.

ويجب علينا أيضاً، كما ذكر وزير التربية الوطنية مرات عديدة بشأن هذه النقطة، تعليم اللغة العربية أكثر في المدرسة أو في إطار الأنشطة المدرسية التكميلية التي نضبطها. لأن شبابنا ثري أيضاً بهذه الثقافة المتعددة، ويجب بشأن هذه الموضوع الخروج من النفاق الذي نحن فيه. فعندما لا نقوم بتدريس العربية لا في المدرسة ولا في إطار الأنشطة المدرسية التكميلية المراعية لقوانين الجمهورية، هذا يعني أننا نقبل بأن يكون هناك اليوم ما يزيد على ستين ألف شاب وشابة يتعلمون اللغة العربية في جمعيات تقترح الأسوأ وتخضع لتلاعب الأطراف التي ذكرتها سابقاً. إذاً، اللغة العربية والكثير من اللغات أخرى هي ثراء لأطفالنا ولأسرهم، وبالتالي يجب علينا في جمهوريتنا أن نعرف كيف نعترف بها ونثني عليها ونعمل على إحيائها في إطار جمهوري. وذلك بطريقة بعيدة عن أي عقد، وبكل بساطة، أقولها مجدداً، بطريقة تتوافق مع مبادئنا مع الاعتراف بهذا الغنى الذي نتمتع به. لنتخلص إذاً من هذا النفاق، ودعونا لا نفوض هذا التعليم للآخرين. وتتمثل إرادتنا مع الوزير، في غضون العامين القادمين، في امتلاك سياسية حقيقة في مجال معرفة اللغات والحضارات لاسيما في المدرسة، مع أساتذة وأشخاص ناطقين باللغات يتم اعتمادهم على المستوى اللغوي، ونعرف أنهم يحترمون قيم الجمهورية.

أخيراً، وهو المحور الخامس الذي أردت التشديد عليه. إن كان ضرورياً إثارة الخوف من الجمهورية من خلال تطبيق قواعدها دون ضعف وإعادة القوة إلى القانون، وإن كان ضرورياً أيضاً التحلي بروح الإقدام في المحاور الأساسية التي أشرت إليها، فمن الضروري أيضاً أن نجعل الجمهورية محبوبة من جديد، من خلال الإثبات بأنها يمكن أن تتيح لكل فرد بناء حياته فيها. إننا في الواقع ملزمون بالتحلي بالأمل. وأنا أقول هذا بكل بساطة، في هذا النقاش الذي يجمعنا، حيث هناك أيضاً شكل من أشكال انعدام الأمان قد ترسخ، والذي وصفه البعض بانعدام الأمان الثقافي، وأعتقد أنهم محقون في ذلك. لأن مجتمعنا مثخن بالشروخ والتوريات الضمنية التي تركناها تترسخ وتتجذر. إننا نود أن نعتقد أنه يمكن حل جميع المشكلات عن طريق المراسيم والقوانين.

حققت جمهوريتنا شيئا رائعاً في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث أنها نجحت لأنها كانت مقدامة ولأنها أرست نظاماً جمهورياً، ونجحت من خلال المدرسة، ومن خلال خدماتها العامة ومن خلال العدالة التي قدمتها، ولكنها نجحت أيضاً لأنها حببت الناس بالجمهورية، ولأن الجمهورية منحت الكثير من الأطفال مستقبلاً. وفي الأماكن التي لا تمنح فيها الجمهورية مستقبلاً لأبنائها، لا تتوقعوا من هؤلاء أن يحبوها. إنه أمر مؤسف. لأن الحب لا يسن بمرسوم. والأمل لا يُشّرع بقانون. بل يجب إظهاره وإثباته.

ولذا فإن العمل الذي بدأناه بقوة كبيرة، أود هنا أن أشيد به، إنه العمل الذي يجب أن نكثفه. وهذا يعني في الواقع إعادة إدخال الجمهورية في حياة الناس بصورة ملموسة. وهنا، نحتاج أن نحقق ذلك بمشاركة جميع الموظفين وجميع النواب وأعضاء المجالس المحلية، وبعزم وتصميم، وأنا أعلم أنكم من مناضلي الجمهورية. والأمر الصعب جداً هنا، على غرار الكثير من الأراضي الضائعة أحياناً، هو أن كل ما تم القيام به في السنوات الأخيرة، وقمنا به جميعاً معاً، ليس بالضرورة مرئي بدرجة كافية، إلى درجة الشعور بنكران للجميل، لكني أريد هنا أن أكررها بقوة: فإن تقليص عدد الطلاب في الصف الواحد لثلاثمائة طالب، يمثل تجسيدا ملموساً للجمهورية لأطفال سيكونون قادرين على تعلم القراءة والكتابة والحساب والتعلم في أكثر المناطق صعوبة. إنها الحقيقة. وهناك أيضاً الإصلاحات الخاصة بتوجيه الطلاب ومواكبتهم، وكل ما قمنا به بشأن الأنشطة التي تُصاف إلى الأنشطة المدرسية، والواجبات المنجزة، وما إلى ذلك، وكذلك الأحياء الصيفية في الصيف الماضي من خلال ما أطلقناه عليه الصيف التعليمي والثقافي والرياضي.

إنها عودة جوهرية، وهي تمثل أموراً ملموسة بالنسبة إلى هؤلاء الأطفال الذين لم نتركهم بين أيدي جمعيات تسعى إلى إنهاء الجمهورية. هذا العمل ضروري وسنستمر فيه. وأُنشئ 80 مجمعًا تعليميًا و530 مكتبًا للخدمات الفرنسية، وفي القطاع الثقافي مُددت ساعات عمل المكتبات العامة في أكثر من 600 مدينة، وأُنشئ زهاء مائة صالة عرض رقمية (ميكرو فولي)، كما هو الحال هنا في مدينة لي مورو. وكل هذه الأعمال هي سلسلة من المبادرات والمعارك الميدانية، إذا جاز التعبير، التي خضناها معاً في السنوات الأخيرة لتأكيد العودة الجديدة والقول: يجب أن تعود الجمهورية. ويصح ذلك في جميع المكونات. عندما تقرر تخصيص عشرة مليارات إضافية للوكالة الوطنية للتجديد العمراني، للعودة إلى الأحياء وإعادة فتحها، ومنح التمويل مجدداً للجمعيات المحلية، وكذلك عندما تقرر في هذه السنة زيادة اعتمادات وزارة العدل لتحقيق العدالة الجوارية في مكاتب الخدمات الفرنسية هذه، ولكن أيضاً من خلال توفير موارد ملموسة للغاية حتى تتوافق استجابة عدالتنا أيضاً مع الموارد التي نضعها في مجال أمننا.

إنها عودة الجمهورية التي أخذت تستعيد بدورها معناها ومغزاها من خلال الأحياء التي تستعيدها الجمهورية وقوى الأمن التي يقوم الوزير بنشرها.، وهنا أيضًا نقوم بتعزيز الموارد، وهذا ما نقوم به أيضاً في مجال محاربة انعدام المساواة بين الجنسين ميدانياً من خلال تعزيز موارد الجمعيات وإتاحة عودة الجمهورية بفضل الموارد والهياكل المختلفة. هذه هي السياسة التي نتبعها. إذاً، يجري تنفيذ كل هذه الإجراءات منذ ثلاث سنوات بقوة وتصميم ومن خلال الكثير من الاقتراحات التي قدمها الوزراء، والتي قدمها أيضاً جان لوي بورلو، الذي أريد في هذا المقام أن أشيد بعمله والتزامه وأفكاره. وعندما أنظر إلى التقرير الذي رُفع إلينا في هذا المجال، ألاحظ أنه قد نُفّذ أصلاً ثلاثة أرباعه، ويمكننا أن نهنئ أنفسنا على ذلك. وأعتقد أننا بحاجة إلى كل هذه الطاقات.

لذا، ما علينا فعله اليوم هو المضي قدماً في هذا المسار. سنفعل ذلك من خلال عملية تقليص عدد الطلاب في الصف الواحد، وهي العملية التي تم توسيعها لتشمل تلاميذ السنة الثالثة والأخيرة في مدارس رياض الأطفال. وسيُنشأ أربعون مجمع تعليمي إضافي، و300 مكتب للخدمات الفرنسية إضافية ستفتح أبوابها في الأسابيع المقبلة، وسيكون هناك استثمار إضافي لصالح الوكالة الوطنية للتجديد العمراني. وفيما يتعلق بالأمن والعدالة، ستكون هناك استثمارات إضافية ملموسة ميدانياً من خلال القضاة وموظفي قلم المحكمة وأحيانًا المتطوعين الذين سيأتون للمساعدة في المهام المحلية، كما ذكرت، السيد رئيس البلدية، بالإضافة إلى طواقم الشرطة والدرك العاملين ميدانيًا وتعزيز الموارد.

والهدف المنظور بسيط ويتمثّل في أن تكون الجمهورية حاضرة أسفل كل برج ومبنى في هذه الأحياء. وعلينا أن نتقدم في كل الأماكن التي شهدت تراجعاً لحضورنا فيها، ولا سيما في الأماكن التي لم تكن فيها ردود الجمهورية واضحة ومفهومة، لأنها كانت تستغرق أشهرًا طويلة للتعامل مع الأفعال الجرمية. وعلينا أن نستعيد الزخم بصورة جماعية من خلال السماح للعدالة بإيجاد وسائل للرد بسرعة، وبطريقة ملائمة كعادتها، حتى تكون الأمور واضحة جليّة، سواء بالنسبة إلى الضحية أو مثيري المشكلات أو للقوات الأمنية.

وكلنا في أعماقنا نحب الجمهورية التي تفي بوعودها في التحرر. وكل ما ذكرته للتو هو ما يضمن هذا الوعد بالتحرر، فالجمهورية هي عبارة عن نظام ووعد في آن واحد. لذا فإن ما يتعين علينا القيام بقوة هو المضي قدماً في هذا الطريق.

لقد بدأت تحديد سبلٍ لتحقيق تكافؤ الفرص، وسنتابعها في هذا المجال، وفي مجال مكافحة التمييز والتوظيف والإسكان من خلال اختبارات جديدة تم إقرارها، وفي مجال إضفاء طابع منهجي على الأحياء الصيفية التي أشرت إليها والتي سنستمر فيها، حتى يتمكن كل مواطن، بغض النظر عن لون بشرته وأصله ودينه، إيجاد مكان له. فلا تتوافق العنصرية ولا معاداة السامية مع الجمهورية. لذا، وفي إطار هذه الاستراتيجية ذاتها، يجب أن نمتلك الطموح للذهاب بعيداً جداً فيما بدأناه. وفي خلال فصل الخريف، سأقدم قرارات جديدة في هذا الشأن، وستُترجم بالتالي في كل محافظة بواسطة المحافظ مع إشراك جميع النواب وأعضاء المجالس المحلية، من خلال تأكيد أمور عميقة وبسيطة في آن واحد.

وفي مجال الإسكان، علينا أخير أن نغير النصوص بصورة جذرية، فلا يمكننا الاستمرار في زيادة فقر إلى فقر. فطالما لم نوقف هذا الأمر، فإن الصعوبات التعليمية والتدريبية والمشكلات التي ذكرتها ستستمر. ويجب أن يتضمن النص الجديد إصلاحًا عميقًا لهيكلية تنظيمنا في مجال الإسكان، وخاصة الإسكان الاجتماعي. ويجب على المنوال عينه أن نحمل ونؤكد الحصة الموجهة إلى هذه الأحياء من جمهوريتنا في إطار خطة الإنعاش. ويجب أن تكون هناك حصة من خطة الإنعاش تتيح التحرر الثقافي والاقتصادي والبيئي في هذه الأحياء.

ولنتوقف عن معاملة شريحة من شبابنا ومواطنينا كسلعة استهلاكية أو مجرد جهة متلقية لتطبيق السياسات العامة عليهم. إنهم في الواقع يريدون التحرك ويريدون التفوق والامتياز، يريدون أن نترك لهم فرصة للنجاح. لذا، يجب أن يندرج في إطار خطة الإنعاش، بل سيكون هناك فعلاً، حيث ستسنح لي الفرصة لتقديم ذلك في الأسابيع القادمة، مرة أخرى، تغييرات عميقة لتتيح لأحيائنا وأحيائنا الأكثر صعوبة قيادة مشاريع تعليمية وثقافية وفي مجال ريادة الأعمال، وهي مشاريع مطلوبة، وكذلك النجاح في التحول الرقمي والانتقال البيئي معاً. وهنا أيضاً، يجب إجراء هذا التحول والانتقال. وهنا أيضاً يجب أن نساعد في تحقيق النجاح.

السيدات والسادة الكرام، كما ترون، فإنني من خلال هذه المحاور الخمسة الكبرى التي تناولتها في هذا الصباح، أردت تقديم استراتيجية كاملة لتعبئة الأمة من أجل صحوةٍ جمهورية. وإني أدرك هنا بأني ربما خيّبت آمال أولئك الذي كانوا ينتظرون قرارات كاريكاتورية سواء في هذا الاتجاه أو ذاك. وإني أُشدد على هذا الموقف وسأستمر في التشديد عليه.

إن هذه الصحوة الجمهورية لن تتحقق بفضل البعض فقط، إذ لا يمكن إدارة الضمائر، بل يمكن أن نحكم بلداً وأن نشرك المواطنين. إذًا هذه الصحوة، هي صحوة المسؤولين السياسيين، مثلنا نحن، صحوة المحافظين والشرطيين وقوى الأمن والأساتذة والموظفين والنواب وأعضاء المجالس المحلية والجمعيات والقضاة، أي كل أولئك الذين يعملون من أجل إحياء هذا الوعد. لم ينتظر هؤلاء مني، بطبيعة الحال، هذا الإدلاء لكي يقوموا بالمعاينات التي ذكرتها. لكننا نريد أن نزودهم اليوم بالوسائل اللازمة للقيام بذلك، بالإضافة إلى إطار واضح وموارد ملائمة ليكونوا قادرين على التحرك.

هذه الصحوة هي صحوة جميع المواطنين، إنها صحوة فرنسا الموحّدة حول قيمها. فكلما سعى أعداؤنا إلى بث روح الفرقة، بينا زدنا من لمّ شملنا. وكلما سعوا إلى تدميرنا، زدنا من رصّ صفوفنا. وكلما سعوا إلى زعزعة قيمنا زدنا صرامةً. صارمون، لأن الأمر يتعلق بتاريخنا. وصارمون لأن مقابل هذه الصرامة هناك العناية والرعاية الجمهورية التي ذكرتها. وأقولها لكم بقناعة راسخة، إن هذه المسألة الوجودية لأمتنا، تنطوي أساساً على كيفية إعادة تعلّم أسباب عيشنا المشترك.

وفي كل يوم، أجل في كل يوم، يقوم هذا الطرف أو ذاك بتقديم الأسباب الوجيه لفُرقتنا. لسنا مجتمعاً مؤلفاً من أفراد فحسب، بل نحن أمة تضمّ مواطنين، وهذا يغير كل شيء. إننا نتعلم المواطنة ونصبح مواطنين. إنها حقوق وواجبات. ولن أتنازل أبداً إزاء أولئك الذين يريدون بث الانقسامات بيننا سواء في هذا الاتجاه أو ذاك. لأنني أعتقد أن أجمل كنز نمتلكه هو تلك الكتلة التي نشكلها. فهي المفرد والجمع معاً. دعونا لا ننسى ذلك أبداً. هذا هو سر قوة جمهوريتنا. والجمع هنا لا يعني بأننا مجموعة من المجتمعات. إنما نحن نجسد مجتمعاً وطنيا واحداً. غير أن لكل فرد من أفراد هذا المجتمع الوطني البالغ عددهم 66 مليون فرد تاريخه وماضيه. وهناك دائماً شيء ما أسمى من الفرد، وهذا الشيء هو الذي يجعل الفرد مواطناً، إنه الانتماء الجمهوري العام. وعلينا الدفاع عنه.

وستضطلع الحكومة بمسؤولياتها في هذا الصدد من خلال إتمام العمل على هذا القانون. وأعلم أن جميع موظفي الدولة من النساء والرجال سيقومون بذلك. وأعلم أن النوّاب وأعضاء المجالس المحلية وممثّلي الشعب سيكونون على أُهبة الاستعداد، وأعلم أن جميع مواطنينا سيؤدّون الدور المطلوب منهم.

عاشت الجمهورية وعاشت فرنسا !

سأجيب الآن على أسئلة الصحفيين.