فرنسا وأمن الفضاء الإلكتروني

حصة

يسجل الفضاء الإلكتروني بروز ممارسات تدميرية جديدة، ومنها استخدام الإنترنت لأغراض إجرامية مثل جرائم الفضاء الإلكتروني، وهو ما يشمل الأغراض الإرهابية، ونشر معلومات كاذبة أو التلاعب بالمعلومات على نطاق واسع، والتجسس لأغراض سياسية أو اقتصادية، وشن هجمات على البنية التحتية الحيوية، مثل النقل والطاقة والاتصالات وما إلى ذلك، لأغراض التخريب.

وتتسم الهجمات الإلكترونية، سواء ارتكبتها مجموعات منبثقة عن دولة ما أو غير مرتبطة بالدولة، بما يلي:

  • يمكن ارتكابها عبر الحدود وعن بعد،
  • يتعذر إسنادها لجهات محددة ومن العسير جداً تحديد هوية المهاجم الحقيقية بالتأكيد، إذ عادةً ما يعمل تحت غطاء شبكة لا إرادية (بوتنيت) أو عبر الوسطاء (بروكسي)،
  • يمكن تنفيذها بسهولة نسبية وبتكلفة منخفضة بلا تعريض المهاجم إلى خطر يذكر. وترمي هذه الهجمات إلى المس بحسن سير عمل نظم المعلومات والاتصالات التي يستخدمها المواطنون والمنشآت والإدارات، بل حتى المس بسلامة البنى التحتية ذات الأهمية القصوى للأمن القومي.

ويشمل أمن الفضاء الإلكتروني مجمل التدابير الأمنية التي قد يتم اتخاذها من أجل الدفاع عن النفس ضد هذه الهجمات. وقد أدى الارتفاع المطّرد في مستوى الهجمات الإلكترونية وتعقيدها وشدتها في الأعوام المنصرمة بمعظم الدول المتطورة إلى تعزيز قدرتها على الصمود واعتماد استراتيجيات وطنية لأمن الفضاء الإلكتروني.

آلية وطنية مكينة لا تنفك تتعاظم أهميتها

وضعت فرنسا منذ عام 2015 استراتيجية وطنية للأمن الرقمي. وصممت هذه الاستراتيجية من أجل مواكبة عملية انتقال المجتمع الفرنسي في المجال الرقمي وتتصدى للتحديات الجديدة الناتجة عن التطوّر في استخدام التقنيات الرقمية والتهديدات الناجمة عنها. وتسلّط الاستراتيجية الضوء على مسارات العمل الخمسة التالية:

  • ضمان السيادة الوطنية،
  • التصدي على نحو حاسم للأفعال الكيدية في الفضاء الإلكتروني،
  • توعية الجمهور،
  • إدراج الأمن الرقمي بوصفه ميزة من ميزات المنشآت الفرنسية،
  • إبراز مواقف فرنسا على الصعيد الدولي.

وطُورت الاستراتيجية في مرحلة لاحقة على النحو التالي:

  • استرايتيجية فرنسا الدولية للمجال الرقمي
    يلخص نص استراتيجية فرنسا الدولية للمجال الرقمي التي استعرضها وزير أوروبا والشؤون الخارجية في كانون الأول/ديسمبر 2017، مجمل التوجهات الاستراتيجية التي تروجها فرنسا في المجال الرقمي في العالم بناءً على أركان ثلاثة، ألا وهي الحوكمة والاقتصاد والأمن.
  • المراجعة الاستراتيجية للدفاع عن الفضاء الإلكتروني
    كلّف رئيس الوزراء الأمين العام للدفاع والأمن القومي بإعداد المراجعة الاستراتيجية للدفاع عن الفضاء الإلكتروني وقُدمت في شباط/فبراير 2018، وهي تحدد العقيدة المتبعة في إدارة الأزمات في الفضاء الإلكتروني. وتوضح هذه المراجعة أهداف الاستراتيجية الوطنية للدفاع في الفضاء الإلكتروني وترسّخ جدوى النموذج الفرنسي والمسؤولية الأساسية التي تضطلع بها الدولة في هذا الصدد.

جهات فاعلة شتى تسهم في تحقيق نجاعة الآلية الفرنسية على الصعيدين التقني والعملياتي، وهي:

  • الوكالة الوطنية لأمن النظم المعلوماتية التي استُحدثت في عام 2009 وتمثل السلطة الوطنية في مجال الأمن الفضائي. وتضطلع الوكالة بدور فعلي في تأمين الفضاء الإلكتروني الفرنسي وحمايته وتُكلّف بالوقاية، التي تشمل القضايا المعيارية، والتصدي لحوادث تكنولوجيا المعلومات التي تستهدف المؤسسات الحساسة. وتنظم فضلًا عن ذلك تمارين على إدارة الأزمات على المستوى الوطني. وتوظّف الوكالة الوطنية لأمن النظم المعلوماتية 600 شخص في الفترة الراهنة وما تنفك تنمو.
  • تضطلع وزارة القوات المسلّحة بمهمتين على نحو متزامن تتمثلان في حماية الشبكات التي تدعم عملها وإدراج المكافحة الرقمية في صميم عملياتها العسكرية. أنشئت قيادة الدفاع عن الأمن الفضائي في عام 2017 ووضعت تحت إمرة رئيس هيئة أركان القوات المسلّحة الفرنسية بغية توطيد عمل الوزارة في هذا المجال.
  • تضطلع وزارة الداخلية بمهمة مكافحة جميع أوجه الجرائم في الفضاء الإلكتروني التي تستهدف المؤسسات والمصالح الوطنية، والجهات الفاعلة الاقتصادية والسلطات العامة والأفراد على حد سواء. وتحشد الوزارة جهود الدوائر المركزية المتخصصة لهذا الغرض والشبكات المحلية والإقليمية التابعة للشرطة الوطنية والدرك الوطني وقوة الأمن الداخلي. ويكلّف جميعها بإجراء تحقيقات في سبيل تحديد هوية مرتكبي الأفعال الكيدية في الفضاء الإلكتروني وتقديمهم إلى العدالة. وتسهم تلك الدوائر، علاوةً على ذلك، في وقاية الجمهور المعني وتوعيته.

الاستقرار والأمن الدولي في الفضاء الإلكتروني

يمثل تعزيز الاستقرار الاستراتيجي والأمن الدولي في الفضاء الإلكتروني هدفًا من أهداف فرنسا ذات الأولوية. وتنسّق وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الأعمال التي تضطلع بها فرنسا في مجال "الدبلوماسية في الفضاء الإلكتروني".
وينفذ هذا العمل في الإطار الأوروبي والدولي.

ضمان الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية في المجال الرقمي

تدافع فرنسا في الاتحاد الأوروبي عن رؤية طموحة الأهداف وعن مفهوم "استقلالية الاتحاد الأوروبي الاستراتيجية في المجال الرقمي"، بوصفه ضمان لقدرتنا الجماعية على المبادرة والعمل. ويتضمن هذا الهدف المحاور الثلاثة التالية:

  • المحور التكنولوجي
    تدعم سياسة الاتحاد الأوروبي الصناعية القدرات في مجال البحث والتطوير في مجالات رائدة بغية تعزيز استخدام التقنيات وخدمات الأمن الرقمي التي يتعين تقييم درجة الإمكانية الاعتماد عليها. سيوفّر إدراج العنصر الأمني في جميع المكوّنات الرقمية أيضًا ميزة تنافسية للعروض الأوروبية.
  • المحور التنظيمي
    يتعين على سياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية وضع نظم تراعي متطلبات القدرة التنافسية والقدرات الكامنة في المجال الرقمي بموازاة حماية المواطنين والمنشآت والدول الأعضاء، بما يتماشى مع قيمنا المشتركة التي تتمثل في حقنا في الخصوصية وحماية البيانات الشخصية الطابع وحماية البنى التحتية الحيوية.
  • محور القدرات
    يؤدي الاتحاد الأوروبي دورًا جوهريًا في ترويج النهوض بقدرات الهيئات العامة والخاصة ودعمها في مجال الدفاع عن الفضاء الإلكتروني في الدول الأعضاء في الاتحاد وفي المؤسسات الأوروبية ذاتها من خلال الاعتماد على المعارف الأوروبية. وقد يوفر دعمه كذلك في مجالات التدريب والتمرين، وهو ما يؤدي إلى التآزر بين القدرات وتجنب ازدواجها.

وتتجلى ضرورة توطيد التعاون العملياتي بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فيما يتجاوز الأبعاد المختلفة تلك. ويكمن الهدف من ذلك في توفير أدوات تبادل المعلومات التقنية بشأن التهديدات على الصعيد الأوروبي، وهو ما يتيح التنبؤ بأي هجوم معلوماتي والتصدي له على جناح السرعة. ويندرج وضع إطار لرد دبلوماسي مشترك من الاتحاد الأوروبي تصديًا للأعمال الكيدية الإلكترونية في عام 2017، "رزمة الأدوات" في مجال دبلوماسية الفضاء الإلكتروني"، تمامًا في إطار هذا النهج من التعاون.

تعبئة المجتمع الدولي من خلال نداء باريس

يجسد نداء باريس من أجل الثقة والأمن في الفضاء الإلكتروني دور فرنسا الفعال في تعزيز فضاء إلكتروني آمن ومستقر ومفتوح. ويعد هذا النص إعلاناً سياسياً رفيع المستوى يسجل تجدد حشد الجهود إزاء القضية الأساسية المتمثلة في إرساء الاستقرار في الفضاء الإلكتروني. ويجسد النص، الذي قدمه رئيس الجمهورية في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 في منتدى باريس للسلام ومنتدى حوكمة الإنترنت في اليونسكو، قدرة فرنسا على حشد الجهود على نطاق واسع دعمًا لرؤيتها لتنظيم الفضاء الإلكتروني.

ويذكّر هذا النص، الذي حظي بتأييد أكثر من 1200 كيان من دول ومنشآت وجمعيات مهنية ومنظمات من المجتمع المدني وسلطات محلية وإقليمية، بتطبيق القانون الدولي وحقوق الإنسان على الفضاء الإلكتروني، ويشير إلى عدد من المبادئ الأساسية، على غرار السلوك المسؤول للدول، واحتكار الدولة للعنف الشرعي، والإقرار بالمسؤوليات المحددة للجهات الفاعلة في القطاع الخاص، ليصبح الفضاء الإلكتروني مساحة آمنة وموثوقة.

ويبلور الطابع الشامل الذي يتسم به نداء باريس القناعة المتمثلة في اتباع نهج متعدد الجهات الفاعلة لإعداد المعايير والممارسات الجيدة التي ستمكننا من الانتفاع بالفرص التي تتيحها الثورة الرقمية على نحو مفتوح وآمن. وتعتزم فرنسا اليوم التفكّر، بمعية شركائها من الدول وكذلك من القطاع الخاص والمجتمع المدني، بشأن دور الجهات الفاعلة الخاصة ومسؤولياتها الخاصة في تعزيز الاستقرار والأمن الدولي للفضاء الإلكتروني.

تعزيز استقرار الفضاء الإلكتروني في المحافل الدولية

تناولت أعمال ست أفرقة من الخبراء الحكوميين وفريق خبراء مفتوح باب العضوية منذ عام 2004 في منظمة الأمم المتحدة، التي شاركت فيها فرنسا مشاركةً فاعلة، قضايا أمن الفضاء الإلكتروني الدولي وأتاحت إحراز تقدم في المحادثات بشأن تطبيق القانون الدولي على الفضاء الإلكتروني، ومعايير السلوك التي ينبغي أن تتبناها الدول من أجل تعزيز الاستقرار في الفضاء الإلكتروني. وأنشئ فريق عمل مفتوح باب العضوية للفترة بين عامي 2021 و2025 تشارك فرنسا فيه مشاركةً فاعلة بغية الدفاع عن رؤيتها الخاصة للتنظيم الدولي للفضاء الإلكتروني، والمبادئ التي يدافع عنها نداء باريس بصورة خاصة.
وتسعى فرنسا علاوةً على ذلك بمعية 54 دولةً أخرى والاتحاد الأوروبي إلى مواجهة تعاظم التهديدات ومخاطر عدم الاستقرار في الفضاء الإلكتروني، فتروج إنشاء برنامج عمل لأمن الفضاء الإلكتروني، بغية المساهمة بالفعل في رفع مستوى أمن الفضاء الإلكتروني العالمي، بالتزامن مع مواصلة المحادثات بشأن معايير الفضاء الإلكتروني، وذلك من خلال دعم الجهود المبذولة في مجال بناء قدرات الدول، وتعزيز الحوار والتعاون مع الأطراف المعنية الأخرى، على غرار المنشآت أو المجتمع المدني، التي قد يؤثر دورها في أمن الفضاء الإلكتروني.

الاطلاع على رد فرنسا على القرار 73/27 بشأن "التطورات في ميدان المعلومات والاتصالات
السلكية واللاسلكية في سياق الأمن الدولي" والقرار 73/266 بشأن "الارتقاء بسلوك الدول المسؤول في الفضاء الإلكتروني في سياق الأمن الدولي".

وللاستزادة بشأن استئناف المفاوضات في الأمم المتحدة بشأن قضايا الفضاء الإلكتروني، زوروا الموقع الإلكتروني لمكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح.

وتلتزم فرنسا بالعمل في المحافل الدولية الأخرى التي تُعنى بقضايا أمن الفضاء الإلكتروني،
ولا سيّما المحافل التالية منها:

  • اعتمدت 28 دولةً بمبادرة من فرنسا "الالتزام بالدفاع عن الفضاء الإلكتروني" في منظمة حلف شمال الأطلسي خلال مؤتمر قمة وارسو الذي عقد في حزيران/يونيو 2016، والذي اعترف المشاركون فيه بالفضاء الإلكتروني بوصفه ميدان من ميادين العمليات يُلزم منظمة حلف شمال الأطلسي الدفاع عن ذاتها فيه تمامًا مثل المجالات البرية والجوية والبحرية. واستضافت فرنسا في أيار/مايو 2018 أول مؤتمر مخصص للالتزام بالدفاع عن الفضاء الإلكتروني.
  • اجتمع وزراء خارجية مجموعة الدول السبع في مدينة دينار في 6 نيسان/أبريل 2019 بغية استهلال مبادرة بشأن المعايير المطبقة على الفضاء الإلكتروني مكرسة لتبادل الممارسات الجيدة المستمدة من تجاربها في تطبيق المعايير الطوعية وغير الملزمة في السلوك المسؤول للدول. وأثمرت المعايير الواردة في هذه الوثيقة أساسًا عن أعمال فريق الخبراء الحكوميين التابع للأمم المتحدة وتمثل مجموعة فرعية من الإطار الدولي لإرساء الاستقرار في الفضاء الإلكتروني. وتعقد دول مجموعة السبع العزم على مواصلة تلك الأعمال وتنسيق مواقفها بشأن عدد كبير من التوصيات المهمة في مجال أمن الفضاء الإلكتروني.
  • تواصل فرنسا ترويج برنامج طموح الأهداف سعيًا إلى تفعيل تدابير بناء الثقة السارية على الفضاء الإلكتروني وتطبيقها من أجل تعزيز الشفافية والتعاون والثقة بين الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي أثبتت نفسها كمنتدى إقليمي مرجعي لتحديد تلك التدابير.

كانون الثاني / ينير 2022

روابط هامة