المَعكَرون، أحدث الحلويات الفرنسية التقليدية

حصة

تبدأ حلويات المعكرون بـ"قرقشة" في الفم، ثم ينتشر الطعم الحلو، وتبقى بعض النثور عند زوايا الشفتين في حين تتفتق لذة الحشوة وطعمها الأثيري. حلويات المعكرون قطعة من السماء، نمسكها بين الإبهام والسبابة وتفرض نفسها كأكثر الحلويات الكلاسيكية الفرنسية حداثة. تتعدد ألوان هذه الأقراص ذات الطعم المتنوع والجريء، بأشكالها المستديرة وبتركيبتها من الكريم داعية الذواقة إليها من ضفاف نهر السين في باريس حتى ضفاف الهدسون النائية أو كذلك حتى خليج طوكيو.


على بلاطة الرخام أمام مصنّع الحلويات، لانرى سوى البساطة في الأمور : بيض وسكر ومسحوق اللوز. مركبات أساسية جمعت شمال فرنسا وجنوبها. جيء بالسكر من الشمندر، أحد الخضار العادية والضرورية الذي يزرع في شمال فرنسا، أما ثمر اللوز بقشرته المخملية فقد حظي بنعومة المناخ في الجنوب وأثقل أغصان الشجر بعد عقد زهره الأبيض. بعد ذلك يجب أن يشتد بياض البيض ويقسو ليتحول إلى كريم بفضل مهارة الأيدي المصنّعة، وتلي ذلك عملية الطبخ في الفرن على نار معتدلة تدغدغ القوالب المحضرة، إضافة إلى شيء من الموهبة.

يقال أن عملية التحضير الأساسية وصلت من إيطاليا وعبرت جبال الألب في عصر النهضة، وكان رابليه الأبيقوري والذواقة المغرم بهذه الأقراص الصغيرة من الحلويات قد ذكرها في مؤلفه "Quart Livre". يهوى العديد من المدن الفرنسية المعكرون وتدّعي كل منها الأبوة بفخر واعتزاز، فيسمى "جوايوز" في منطقة أرديش أو "بولي" في منطقة لورين. أما صاحب محل الحلويات الشهير "آدم" في مدينة سان جان دو لوز في بلاد الباسك فقد قدمه إلى الملك لويس الرابع عشر بمناسبة زواجه. حلوى رائعة تعتبر ابنة عم حلوى أخرى تدعى الميرينغ والمركبة بكل بساطة من السكر والبيض بدون مسحوق اللوز. في القرن التاسع عشر أضفي على قلب القرص الناشف بعض الطراوة، وقام مصنّعوه بوضع كريم مع الزبدة بين غلافي القرص، أو الثمر المطبوخ (كومبوت) أو مربى الفواكه.

بلوغ آسيا

تتناول الأحاديث المعكرون الباريسي أو معكرون جيربي، وتعرضه صالونات الشاي على السيدات الأنيقات مع فنجان شوكولاته كما في صالون شاي "لادوري" في حي لا مادلين في باريس. ويتصدر في كوب أخضر فستقي أو في صينية جميلة على الطاولة صالون شاي لادوري للتلذذ بطعمه بين شفة قهوة وأخرى، في ذلك الجو المخملي. نتخلى عن الحنين إلى الماضي وندخل عالم اليوم حيث يتوافر بطعم متنوع من الميموزا أو السوس أو ثمر العليق. يتوافر المعكرون في دار الحلويات العريق هذا بطعم حسب الفصول : نعناع ثلجي في الصيف، وتين وتمر في الشتاء. انطلقت الدار من مركزها الأساسي في شارع رويال وافتتحت فروعا في الشنزيليزيه، وفي لندن، وفي عدة عواصم أوروبية أخرى عام 2005. عام 2008، بلغت أقراص المعكرون بألوانها الفستقية آسيا لإشباع شهوات عملائها اليابانيين. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت العلب الفستقية اللون والليلكية من دار لادوريه مركّزا من اللذة الفورية والبريئة.

أما مصنّع الحلويات بيير هيرمي فقد افتتح محلا في طوكيو قبل فتح محله في فرنسا. وإذا كنا نعتبر مَعكَرون لادوريه كسمفونية فإن مَعكَرون بيير هيرمي هي كونسيرتو، بطعمها الرقيق واللذيذ. في تركيبتها، لم يعد السكر من الأساسيات إنما تراجع ليدع مكانه لطعم متنوع. ولقد بقيت أسس الحلويات التقليدية لكن جرى تكييفها لتظهر بشكل مميز. تتلمذ بيير هيرمي الألزاسي في محل حلويات غاستون لونوتر وحافظ على الدقة والمتطلبات، وميز جودة المركبات بعناية خارقة، ورفع من شأن الحلويات لتبلغ مصاف الأزياء الراقية في حقل الابتكار. لم يعد تذوق مَعكَرون بيير هيرمي مجرد تناول حلويات إنما تجربة حسية في حد ذاتها.

لذة مألوفة

لاتقف حكاية قرص الكاتو الصغير عند هذا الحد، إنما بلغت مرتبة كاتو آخر هو "تارت تاتان" أو "الكرواسان" في مختلف الأفران الفرنسية كما في المطابخ حيث يستخدم بياض البيض لابتكار الكاتو كتحفة فنية في المنزل، ولم تعد الخبرة والتفوق محصورة بالأسماء اللامعة. يقوم اليوم حرفيون بتصنيع المعكرون بشغف يضاهي من حيث جودته ما يصنعه الكبار. ونجد في شارع لا تومب إيسوار في قلب الدائرة الرابعة عشر في باريس، محل حلويات "أو ديليس دي زانج" الذي يقدم أنواعا شهية. في هذا الفرن، تملأ "الباغيت" مستقيمة الشكل سلال القصب، والبونبون والكاراميل مراتبين الزجاج. فالمعلم في هذا المحل بدأ في أوتيل كريون ويعرض اليوم أنواعا شهية من المعكرون بطعم الفانيليا أو الشوكولاته التي تستدعي الطفولة أو الفستق الحلبي والكاراميل بالزبدة المالحة أو العليق . تتواجد كل أنواع الخبز والحلويات في مختلف الأفران الفرنسية حيث تصنع كلها حرفيا. وأحيانا يتسع قرص المعكرون الصغير (بقطر 3.5 سم) ليصبح بحجم راحة اليد لإرواء شغف النهمين. هكذا يستعيد المَعكَرون نضارته ويصبح على غرار القبعة التي تمثل شكلها المستدير رمزا لفن الأطعمة الفرنسية. بسيطة ولذيذة الطعم وتقليدية مع مسحة من الفانتازيا.

يستدعي تكريس كل هذه الطاقة والخبرة لتصنيع شيء صغير يبتلع خلال ثوان خفة الظل والحيوية التي نجدها في الروح الفرنسية. بساطة وابتكار من أجل تصنيع منتجات مثيرة من حيث الأناقة والطعم… للاستهلاك بدون حدود.

باسكال برنار / Pascale Bernard

أخبار فرنسا ـ العدد 34 – ديسمبر/ كانون أول 2010