فهم الوضع في أوكرانيا منذ عام 2014
اندلع نزاع في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2013 بين أوكرانيا والاتحاد الروسي في أعقاب أزمة سياسية أوكرانية. وكان قد أدى قرار الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش تعليق الأعمال التي من شأنها أن تفضي إلى توقيع اتفاق انتساب مع الاتحاد الأوروبي إلى اندلاع حراك شعبي سُمي "ثورة الكرامة".
وسيطر بعض الجنود الروس الملثّمين وبلا أي شارات عسكرية على جميع النقاط الاستراتيجية في شبه جزيرة القرم، اعتبارًا من 27 شباط/فبراير 2014. ونُظّم في 16 آذار/مارس 2014 "استفتاء" بشأن الاستقلال والانضمام إلى الاتحاد الروسي، إلا أنّ المجتمع الدولي لم يعترف بضمّ شبه جزيرة القرم.
واستهلت في الوقت عينه في شرق أوكرانيا عمليات ترمي إلى زعزعة الاستقرار. وراحت تدعم مجموعات مسلّحة بلا أي شارات عسكرية وخاضعة لإشراف روسيا المتظاهرين المنادينَ باستقلال هذه المناطق اعتبارًا من آذار/مارس 2014. وأعلنت في 11 أيار/مايو الكيانات التابعة بفعل الواقع إلى "جمهورية دونيتسك الشعبية" و"جمهورية لوغانسك الشعبية" استقلالها بعد إجراء "استفتاء". غير أنّ أوكرانيا أقرّت بعدم قانونية هذا التصويت الذي جرى خارج الإطار الذي تُحدده التشريعات الأوكرانية والذي تعتريه العديد من الشوائب النظامية، ولم يعترف به لا المجتمع الدولي، ولا الاتحاد الروسي.
وأيّدت فرنسا اعتماد الاتحاد الأوروبي جزاءات ردّاً على الضم غير الشرعي لشبه جزيرة القرم وزعزعة الاستقرار في أوكرانيا.
2014-2015: اتفاقات مينسك الرامية إلى إنهاء النزاع
استُهلّت المحادثات الدبلوماسية في حزيران/يونيو 2014. ومثّل إحياء ذكرى إنزال الحلفاء في 6 حزيران/يونيو 1944 فرصةً مناسبةً لفتح صفحة دبلوماسية جديدة بين الرئيسَين الأوكراني والروسي، برعاية رئيس الجمهورية الفرنسية والمستشارة الألمانية بصيغة "نورماندي" أو "أن 4".
وجرت أيضًا مفاوضات في مينسك على مستوى مجموعة الاتصال الثلاثية التي ضمّت ممثلين أوكرانيين وروس وفي إطار وساطة الرئاسة الحالية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والتي أشركت الانفصاليين الذين مثّلوا بعض المناطق في لوغانسك ودونيتسك في أربعة أفرقة عاملة.
ووقّعت الأطراف الحاضرة في مجموعة الاتصال الثلاثية بروتوكول مينسك في 5 أيلول/سبتمبر.2014، وتضمن البروتوكول 13 تدبيرًا أمنيًا وسياسيًا بغية إنهاء النزاع.
وعُقد مؤتمر قمة رؤساء الدول والحكومات بصيغة "نورماندي" في مدينة مينسك يومَي 11 و12 شباط/فبراير 2015. ووقّعت أطراف مجموعة الاتصال الثلاثية "رزمة التدابير الرامية إلى تنفيذ اتفاقات مينسك" التي تسمى أحيانًا على وجه الخطأ ("مينسك 2").
وحددت هذه الرُزمة المراحل العملية لتنفيذ بروتوكول مينسك. وكان يرمي هذا الاتفاق إلى إحراز تقدّمٍ مشترك وبدون أي شروط مسبقة، على مستوى الوضع الأمني الميداني والعملية السياسية. وتمثّل هدف الاتفاق في إتاحة الدخول مجددًا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الانفصاليين، ضمن إطار السيادة الأوكرانية ووفق تنظيم لامركزي.
وأيّدَ القرار 2202 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 17 شباط/فبراير 2015 رزمة التدابير ودعا إلى تنفيذها بالكامل.
صعوبات في تنفيذ الالتزامات
أسهمت "رزمة التدابير الرامية إلى تنفيذ اتفاقات مينسك" في خفض عدد الضحايا على نحو ملحوظ، إذ أنّ ثلاثة أرباع ضحايا النزاع، الذين قارب عددهم الإجمالي 13 ألف و300 شخص، وقعوا قبل توقيع رزمة التدابير هذه. لكن الأزمة ما تزال تراوح مكانها بسبب غياب الإرادة السياسية لدى الأطراف بغية تنفيذ التزاماتها. وتستمر التوترات المنتظمة في تأجيج النزاع الروسي الأوكراني.
ولم تستعد أوكرانيا سيادتها وسلامة أراضيها بالكامل في شبه جزيرة القرم ضمن حدودها المُعترف بها دوليًا.
ويهدّد الخرق المتكرر لوقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا السكان المدنيين مباشرةً في حين ما يزال الوضع الأمني حرجًا للغاية، ولا سيّما في ما يتعلق بحالة الأشخاص الأكثر ضعفاً.
وسجل عام 2019 انتخاب فولوديمير زيلينسكي رئيساً لأوكرانيا. وانتُخب بأكثر من 73 في المئة من الأصوات وتمثّلت أولوية ولايته في حلّ هذا النزاع.
وأحرزت العديد من أوجه التقدم على أرض الواقع منذ انتخاب الرئيس زيلينسكي نذكر منها ما يلي:
- وقف إطلاق النار الذي أُعلن في 21 تموز/يوليو 2019 والذي أدّى إلى انخفاض غير مسبوق في أعمال العنف،
- الانسحاب من ثلاث مناطق رئيسة وهي ستانيتسا-لوغانسك، وبيتريفسكه، وزولوت،
- إعادة إعمار جسر ستانيتسا-لوغانسك الذي يتيح عبور المدنيين خط التماس على نحو أفضل،
- تبادل عدد من السجناء في كانون الأول/ديسمبر 2019 ثم في نيسان/أبريل 2020 المحتجزين في سياق النزاع أدّى إلى الإفراج عن 239 شخصًا مسنًّا من كلا الطرفين،
- دخول تدابير إضافية لترسيخ وقف إطلاق النار حيز النفاذ في 27 تموز/يوليو 2020.
وتبادلت روسيا وأوكرانيا، فضلًا عن ذلك، سبعين سجينًا سياسيًا، غير المحتجزين الذين أُسروا في إطار النزاع منذ عام 2014، يشملون المخرج أوليغ سينتسوف و24 بحارًا أوكرانيًا كانوا محتجزين منذ 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 في أعقاب الحادث البحري المؤسف الذي وقع في جنوب مضيق كيرتش.
التزام فرنسا من أجل حل النزاع في أوكرانيا
لم تعترف فرنسا بضم شبه جزيرة القُرم غير الشرعي، فإن طعن القوات العسكرية في الحدود يتنافى مع القانون الدولي ومع الالتزامات التي قطعها الاتحاد الروسي.
واستضافت فرنسا في 9 كانون الأول/ديسمبر 2019 مؤتمر قمة لرؤساء الدول والحكومات بصيغة "نورماندي"، عقب مؤتمر القمة السابق الذي عُقد في تشرين الأول/أكتوبر 2016 في برلين. ومكّن مؤتمر القمة هذا من تحديد عدد من التدابير الرامية إلى تحسين الوضع الميداني وإلى تيسير تنفيذ اتفاقات مينسك من حيث تعزيز وقف إطلاق النار وإحراز تقدم في عمليات إزالة الألغام وفتح معابر جديدة وتحديد مناطق انسحاب جديدة وأخيراً تبادل السجناء الذين أُسروا في إطار النزاع. وذكّرت الأطراف بتمسّكها بتحقيق تقدم في جميع الجوانب القانونية المرتبطة بالشق السياسي لاتفاقات مينسك.
واستمرّت المحادثات بين المستشارين السياسيين بصيغة "نورماندي" بعد ذلك الحين مع أنه كان ثمة صعوبات مرتبطة بجائحة فيروس كورونا. واجتمع المستشارون السياسيون في باريس في 26 كانون الثاني/يناير 2022 وأصدروا بيانًا مشتركًا، وهو الأول منذ مؤتمر قمة باريس، عاقدين العزم على مواصلة أعمالهم بصيغة "نورماندي".
وتنتهج فرنسا في سياق احتدام التوترات مع روسيا على الحدود الأوكرانية منذ نهاية عام 2021 سياسةً حازمةً تقوم على الحوار من جهة وعلى التضامن مع أوكرانيا من جهة أخرى، وذلك في سبيل المضي في تسوية النزاع تسوية سياسية وتهدئة التوترات. وتوجّه رئيس الجمهورية ووزير أوروبا والشؤون الخارجية في هذا الصدد إلى كييف في 8 شباط/فبراير 2022 بعد زيارتهما موسكو في 7 شباط/فبراير. وأعلنت فرنسا مجددًا أن أي تعدٍّ جديد على سيادة أوكرانيا سيؤدي إلى فرض جزاءات واسعة النطاق على روسيا التي ستدفع باهظًا ثمن هذا التعدّي.
وشنت روسيا اعتداءَ عسكريًا واسع النطاق في أوكرانيا في 24 شباط/فبراير المنصرم مع أنّها قطعت التزامات دولية بغير ذلك. وتواصل فرنسا بالتنسيق مع شركائها الأوروبيين والدوليين تعبئتها الاستثنائية منذ بداية الحرب دعمًا للشعب الأوكراني.
التحديث : حزيران / يونيو 2022
روابط هامة
- منظمة حلف شمال الأطلسي