مقابلة مع وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية السيدة كاترين كولونا للتحدث بشأن العلاقات بين المغرب وفرنسا (15 ديسمبر / كانون الأول 2022)

حصة

صحيفة لو ماتين: ما رأيكم بالزيارة التي تجروها نظرًا إلى الطابع الاستراتيجي الذي تكتسيه الشراكة بين الرباط وباريس ونظرًا إلى التطور الذي طرأ مؤخرًا على العلاقة بين المغرب وفرنسا؟ وتتحدث بعض الأوساط عن أزمة مستترة، ولكن لم يدلِ أي من الطرفين بأي تصريح رسمي من أجل تأكيد أو نفي ما يحصل. هل لديكم من أقوال في هذا الصدد؟

كاترين كولونا: تتصف علاقة فرنسا مع المغرب بالاستثنائية بكل ما للكلمة من معنى. وأذكر مثالًا فعليًا لا داعي لتحليله بغية فهمه وهو عدد الطلاب المغاربة في فرنسا الذي يزيد على 46 ألف طالب، فالجنسية المغربية بين الطلاب تحتل مكان الصدارة ويدرس 46 ألف طالب في مؤسسات تعليمية فرنسية في المغرب! ويدرس الطلاب المغاربة في معظم الأحيان في مؤسسات مرموقة. وهناك ما يزيد عن ألف فرع للمنشآت الفرنسية في المغرب. واستعمال عبارة "شراكة مميزة"، من أجل وصف نوعية العلاقة الوطيدة بين فرنسا والمغرب هو الأصح.

وتحدث كثيرون بالفعل عن توترات في العلاقة بين فرنسا والمغرب في الأشهر الأخيرة بل أدلوا بتعليقات سلبية بشأنها. ولكنني حرصت، منذ تولي منصبي كوزيرة، على إقامة علاقة مبنية على الثقة مع نظيري السيد ناصر بوريطة، إننا نتبادل على نحوٍ متكرر وبكل صدق. ولطالما تميزت محادثاتنا بالصراحة وبرغبة في إحراز تقدم معًا في الملفات الحساسة المشتركة.

وتأتي زيارتي اليوم بعد المحادثات التي أجريت بين صاحب الجلالة الملك محمد السادس ورئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون. وتسعدني جدًا استضافة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج لي قبل الظهر من أجل تناول موضوع شراكتنا بل وكذلك من أجل تناول القضايا الدولية الراهنة مثل الحرب العدوانية التي شنتها روسيا على أوكرانيا والأمن الغذائي في أفريقيا والتحديات في مجالي البيئة والطاقة. ويبدو لقاؤنا في غاية الثراء. ويسعى كل منا إلى توطيد العلاقة الثنائية بين البلدين ونتجه إلى المسار نفسه. وسنتطرق كذلك إلى زيارة الدولة التي سيجريها رئيس الجمهورية الفرنسية بناءً على دعوة صاحب الجلالة الملك محمد السادس.

مثّل موضوع منح التأشيرات نقطة اختلاف بين المغرب وفرنسا في عام 2021. ورأت المغرب أن قرار فرنسا بتقليص نسبة التأشيرات الممنوحة إلى 50 في المائة "لا مبرر له". ويطرح ذلك مشكلات من ناحية الدراسات ودخول المستشفيات والأعمال… في فرنسا. هل ستتناولون موضوع التأشيرات خلال هذه الزيارة؟ ومتى سيعود الحال إلى ما كان عليه؟

يعد هذا الموضوع بكل وضوح موضوعًا هامًا إذ أجريت بيننا العديد من المحادثات بشأنه. ويسرني استئناف التعاون القنصلي الكامل بين بلدينا الذي سيتيح النهوض بمستوى التبادل الإنساني بين بلدينا ليبلور التداخل المتجذر بين مجتمعينا وتمثل هذه المبادلات في الحاضر كما في المستقبل قاعدة للعلاقة الثنائية بين بلدينا والمحرك الأساسي لتوثيق تلك العلاقة باستمرار.

لا ينفك الحضور الاقتصادي الفرنسي يتزايد في المملكة. ولكن فقدت باريس الصدارة في ذلك المجال مقارنةً ببلدان أخرى. كيف تفسرون ذلك؟ هل من الوارد أن تُعلن شراكات جديدة في المجال الاقتصادي أثناء زيارتكم؟

ينبغي وضع الأمور في سياقها. وإن السياق الاقتصادي الحالي منقطع النظير إذ تعتريه عدة أزمات وكان علينا أن نتصدى خلاله لجائحة فيروس كورونا والحرب التي شنتها روسيا في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة وغيرها. وتلقي تلك الأزمات الضوء واحدة تلو الأخرى على أوجه الهشاشة التي تشوب الاقتصاد العالمي. والصمود سيد الموقف في عالم يسوده عدم اليقين. وينوع المغرب شراكاته التجارية وهذا ما نقوم به جميعًا وما ينبغي أن نقوم به، فهو أمر طبيعي ومفيد لاقتصادات البلدان.

لا تتمثل الأهمية إذن في مراعاة تصنيف هذا البلد أو ذاك، أو إذا كان يحتل المرتبة الأولى او الثانية في مراحل محددة، بل في قدرة كل بلد على الصمود في عالم دائم التغيّر. وتتصف العلاقة بين فرنسا والمغرب بالاستثنائية، ولا سيّما أنّ فرنسا ما تزال تمثل شريك المملكة المغربية الأول على عدة مستويات، فهي تحتل المرتبة الأولى في قائمة المستثمرين في البلد على سبيل المثال. وأكرر أنّ ألف منشأة فرنسية تعمل في المغرب وتستحدث قرابة مئة ألف وظيفة مباشرة في البلد. ولا ينفك يتكثّف التبادل التجاري والتعاون في قطاعات الاقتصاد المغربي كافة. وتتسم العلاقة بين بلدينا بالحداثة والتوازن وهي مثمرة في ضفتي البحر الأبيض المتوسطّ!

ولنستعرض فعليًا المجالات التي نتعاون فيها. ولنبدأ بالمجالات المعروفة على غرار صناعة السيارات والصناعات الجوية وصناعة السكك الحديدية والطاقة المتجددة والمدينة المستدامة. ونرغب كذلك في إضفاء زخم لحركية جديدة في مجالات مثل تقليص اعتماد اقتصاديّنا على الكربون والتنقل الأخضر والابتكار والتطور التكنولوجي، وهو ما يندرج في صميم خطة الإنعاش الفرنسية وخطة "فرنسا لعام 2030"، ونموذج التنمية المغربي الجديد. ويمثل الانفتاح على أفريقيا هدفًا يطمح كلانا إلى تحقيقه. ونحن لا نتنافس، بل على نقيض ذلك، فنحن نتوافق في أمور كثيرة وثمة إمكانات كامنة تجمعنا. وسنواصل تعزيز الشق الاقتصادي الذي يعده بلدانا شقًا جوهريًا. وستحتل المسائل الاقتصادية مكانةً مهمةً بطبيعة الحال خلال زيارة الدولة التي سيجريها رئيس الجمهورية.

اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب الكاملة على الصحراء الغربية، وراح يتخذ بعدها عدد لا بأس به من البلدان، لم تكن حتى الآن مواقفه واضحة بشأن هذه القضية، مواقف صريحة تدعم خطة الحكم الذاتي. غير أنّ فرنسا تميزت بالثبات في موقفها ذاته الذي لم يتغير منذ عام 2007. فما هو تفسيركم لذلك؟ وهل يمكن توقع دعم أكثر صراحةً ومتانةً لسيادة المغرب على أقاليم الجنوب، نظرًا إلى التغيرات الجغرافية السياسية التي تسجلها المنطقة؟

ليس موقف فرنسا غامضًا، فالموقف الفرنسي واضح وثابت، إذ ندعم اتفاق وقف إطلاق النار. وندعم جهود الوساطة التي يبذلها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، واستئناف المفاوضات بين الطرفين سعيًا إلى التوصل لحل عادل وواقعي، وعمل بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية الرامي إلى وئد التوترات ميدانيًا وضمان استقرار المنطقة، تماشيًا مع القرار 2602 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ويكتسي ذلك أهميةً متزايدةً نظرًا إلى خرق اتفاق وقف إطلاق النار.

أما بالنسبة لخطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب في عام 2007، فمضينا في دعمها بلا انتظار موقف هذا البلد أو ذاك. وإنّ موقفنا واضح ومعروف. ونحن نجاهر بموقف مؤيد بوضوح للمغرب منذ البداية. ومضينا نشرح هذا الموقف ونشاركه في جميع المحافل ومع جميع شركائنا منذ خمسة عشر عامًا. ولا بد لي أن أقول إننا غالبًا ما واجهنا العزلة في هذه القضية، ويسري ذلك على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدرك المغرب أنه يمكنه التعويل على دعم فرنسا ومساندتها فيه. وتقتضي الحاجة إلى التحدث بصراحة، ففرنسا هي التي أتاحت تحقيق التوافق في هذه القضية وتوسيعه. وتتطلب الحالة الطارئة الناجمة عن إعادة بروز التوترات التوصل إلى حل سياسي عادل ومستدام يتفق عليه الطرفان ويحترم جميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتتمثل الحاجة الملحة في تهدئة التوترات وتجنب الجنوح. ويمكن للمغرب التعويل على فرنسا بطبيعة الحال.