المؤتمر الدولي من أجل ليبيا : إضفاء الزخم الأخير على عملية الانتقال السياسي في ليبيا (2021.11.12)
تعمل فرنسا جاهدة على استنباط حلّ دائم للأزمة الليبية بغية وضع حدٍّ لانعدام الاستقرار الذي دام عشر سنوات والذي أسفر عن تداعيات أمنية جسيمة أثقلت كاهل الشعب الليبي وشمال أفريقيا ومنطقة الساحل وأوروبا.
التزام ثابت من أجل تسوية الأزمة الليبية
شارك رئيس الجمهورية السيد إيمانويل ماكرون شخصيًا في إرساء أولى دعائم الحلّ السياسي في ليبيا، من خلال:
- لقاء لا سيل-سان-كلو في تموز/يوليو 2017 بين رئيس المجلس الرئاسي في حكومة الوفاق الوطني فايز السرّاج وقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر؛
- المؤتمر الدولي بشأن ليبيا الذي عُقد في باريس في أيار/مايو 2018 والذي التزمت في خلاله الجهات الفاعلة السياسية الرئيسة في ليبيا وهي رئيس الحكومة السيد فايز السرّاج، والمشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النوّاب السيد عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة السيد خالد المشري، بتنفيذ خريطة الطريق السياسية الجامعة.
وتقف فرنسا منذ ذلك الحين إلى جانب الجهات الفاعلة الليبية من أجل التصدّي للتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يواجهونها، عن طريق إقامة حوار مجدٍّ مع جميع الأطراف المتنازعة.
وأسهمت فرنسا مساهمة فاعلة في تحقيق التوافق الدولي الضروري لتسوية الأزمة، من خلال ما يلي:
- دعم الجهود الدبلوماسية التي بذلتها إيطاليا إبّان مؤتمر باليرمو في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، وألمانيا إبّان مؤتمري برلين في كانون الثاني/يناير 2020 وحزيران/يونيو 2021؛
- أداء دور ريادي في المباحثات التي عُقدت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ودعمت فرنسا أيضًا الجهود التي بذلتها البلدان المجاورة لليبيا والجهات الفاعلة الإقليمية من أجل تيسير استئناف الحوار بين الأطراف الليبية.
وتجلّى النشاط الفرنسي أيضًا في مواصلة حشد الجهود على المستوى الأوروبي. ويترتب على الأزمة الليبية تداعيات جسيمة في أوروبا، ويستدعي كلٌّ من التهديد الإرهابي ومخاطر الهجرة والتدخلات الأجنبية، ولا سيّما التركية والروسية منها، أن يلتزم الاتحاد الأوروبي التزامًا فاعلًا بهذا الملف حرصًا على ضمان أمنه.
وزار وزير أوروبا والشؤون الخارجية السيد جان إيف لودريان طرابلس في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2021، بغية المشاركة في مؤتمر دعم استقرار ليبيا الذي نظّمته حكومة الوفاق الوطني. ودعا جميع الزعماء الليبيين في هذه المناسبة إلى إنجاز العملية السياسية التي بدأوها.
ما الغاية من تنظيم المؤتمر الدولي من أجل ليبيا في هذه المرحلة من العملية السياسية؟
استهلّ الليبيون عملية انتقال سياسي بمساعدة الأمم المتحدة. واتُّفق على وقف إطلاق النار في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020 ثم أُبرم اتفاقٌ بشأن خريطة طريق سياسية تنصّ على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لا بد من تجديد حشد الجهود الدولية من أجل تحقيق عملية الانتقال السياسي المرجوة. لكنّه ثمة معارضة ما تزال تبرز في ليبيا وخارجها ساعيةً إلى منع الشعب الليبي من التعبير عن رأيه ديمقراطيًا. ويجب أن تسهم جهودنا الجماعية في التغلّب على هذه الصعاب وفي إضفاء الزخم السياسي الضروري لتنفيذ الالتزامات التي تعهّد بها الليبيون بأنفسهم.
لذا بادر رئيس الجمهورية من هذا المنطلق بالذات إلى تنظيم مؤتمر دولي من أجل ليبيا في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2021. ويصبو هذا المؤتمر إلى مواصلة السير قدمًا نحو الانتخابات التي ستحظى نتائجها باحترام الجميع.
ونضطلع مع شركائنا الألماني والإيطالي والليبي برئاسة هذا المؤتمر بالشراكة الوثيقة مع الأمم المتحدة، وهو يرمي إلى:
- إضفاء زخم حاسم على العملية السياسية استعدادًا للانتخابات المقبلة،
- حشد طاقات جميع الشركاء المعنيين في سبيل تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020 تنفيذًا تامًا، ووضع حدّ نهائي للتدخلات الأجنبية في ليبيا،
وتشارك في المؤتمر الدولي من أجل ليبيا البلدان المشاركة في عملية برلين، والبلدان الواقعة على الحدود الليبية الجنوبية، أي النيجر وتشاد، فضلًا عن قبرص وإسبانيا واليونان والأردن ومالطة وقطر.
هل يندرج مؤتمر باريس من أجل ليبيا في نهج طويل الأجل؟
يسهم مؤتمر باريس من أجل ليبيا إسهامًا مباشرًا في مضافرة الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة من أجل وضع حدّ نهائي للأزمة في ليبيا. ويهدف إلى دعم إرساء الاستقرار في ليبيا وتعزيز وحدتها وسيادتها، ويندرج في بعد إقليمي. ويرتكز نهج فرنسا على اقتناعها بأنه لا سبيل إلى إحلال السلام وتحقيق الأمن في المنطقة الوسطى والشرقية من حوض البحر الأبيض المتوسط وفي منطقة الساحل من دون إرساء الاستقرار الدائم في ليبيا.
ويستدعي وضع حدّ نهائي للأزمة الليبية ما يلي:
- تحقيق عملية انتقال سياسي فاعلة من خلال تنظيم انتخابات وطنية حرّة تتسم بالمصداقية. ويمثّل إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية حرّة ونزيهة وجامعة تتسم بالمصداقية السبيل الوحيد الكفيل بإرساء الاستقرار في البلاد وبتلبية التطلعات الجمّة التي ينشدها الشعب الليبي.
- إنهاء التدخلات الأجنبية التي تزعزع استقرار ليبيا والمنطقة. سينظر المشاركون في دعمهم التام لخطة الانسحاب التي كفتلها اللجنة العسكرية المشتركة للحوار 5 زائد 5 في جنيف في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2021، والتي تمثّل خطة عمل شاملة لعملية انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوى الأجنبية من الأراضي الليبية على نحو تدريجي ومتوازن وتسلسلي. وتُعدُّ خطة العمل هذه حجر الزاوية لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في تشرين الأول/أكتوبر 2020. وسيحضّ المشاركون في مؤتمر باريس من أجل ليبيا على اتخاذ تدابير مهمة بغية تنفيذها بالكامل. وسيسعى مؤتمر باريس إلى إيلاء الأهمية اللازمة للبعد الإقليمي للأزمة الليبية.
- اعتماد حوكمة اقتصادية رشيدة. يستلزم التصدّي لأسباب الأزمة الليبية الهيكلية ضمان إدارة الموارد في جميع أنحاء البلاد إدارة منصفة وشفافة. ويروّج مؤتمر باريس تجديد الالتزام بما يلي:
- توزيع الموارد الليبية توزيعًا شفافًا وعادلًا ومنصفًا يراعي استقلال البلاد على نحو تام،
- نزاهة المؤسسة الوطنية للنفط وحصر جميع الأنشطة في مجال النفط فيها، وذلك بغية إحراز تقدم فعلي في إعادة توحيد مصرف ليبيا المركزي،
- تحسين سبل تزويد السكان بالخدمات الأساسية، بمن فيهم سكان جنوب البلاد.
- توحيد البلاد ومؤسساتها السيادية.
وأصبحت ليبيا اليوم وبعد مرور عقود على اندلاع الأزمة على قاب قوسين أو أدنى من استعادة سلامها ووحدتها وسيادتها وازدهارها. ويتعيّن على المجتمع الدولي أن ينتهز هذه الفرصة لإرساء الاستقرار في ليبيا وفي محيطها الإقليمي ومن ثمَّ في أوروبا.