المفاوضات الدولية بشأن مكافحة تغيُّر المناخ

حصة

تندرج المفاوضات الدولية بشأن مكافحة تغيُّر المناخ في سيرورة طويلة استهلت في مؤتمر القمة المعني بالأرض الذي عقد في ريو دي جانيرو في عام 1992، ثم خلال الدورة الأولى لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ في برلين في عام 1995.

ما هو مؤتمر الأطراف؟

قررت 154 دولة، تقرُّ بحدوث تغيُّر مناخي بشري المصدر، أن تضافر جهودها من أجل الحدِّ من الاحترار العالمي إبَّان انعقاد مؤتمر قمة ريو دي جانيرو في عام 1992. ووُضعت هكذا اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ، وأُنشئ مؤتمر الأطراف وهو هيئة اتخاذ القرار التابعة لها.

ويُعقد مؤتمر الأطراف الذي يضمُّ جميع الدول الأطراف في الاتفاقية، كلَّ عام سواء في مقر الأمانة في مدينة بون، أم مداورةً في أحد البلدان في المجموعات الإقليمية الخمس التابعة للأمم المتحدة. ويتيح كلُّ اجتماعٍ يُعقد لمؤتمر الأطراف تقييم تطبيق الاتفاقية وتحديد سبل تنفيذ القرارات والتفاوض بشأن التزامات جديدة تنطوي على أهداف مشتركة أو فردية، وتُتخذ القرارات بتوافق الآراء.

ويحشد مؤتمر الأطراف ممثلين عن جميع البلدان التي وقَّعت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ، التي بلغ عددها في عام 2021، 196 دولةً موقِّعةً فضلًا عن الاتحاد الأوروبي. وتُعدُّ بناءً عليه اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ اتفاقية عالمية، ولكن مؤتمر الأطراف يجمع أيضاً جهات فاعلة من غير الدول على غرار المنظمات الحكومية وغير الحكومية والسلطات المحلية والإقليمية والنقابات والمنشآت والعلماء والشباب وغيرهم.

وتشارك المنظمات التابعة للأمم المتحدة في تلك المحادثات وفقًا لمجالات اختصاصها.

التسلسل التاريخي للمفاوضات في مجال المناخ

اعتُمدت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ في عام 1992 إبَّان انعقاد مؤتمر قمة ريو دي جانيرو.
ودخلت حيّز النفاذ في عام 1994، وصدَّق عليها 197 طرفاً، وهم 196 دولةً والاتحاد الأوروبي. ويتمثَّل هدفها في تثبيت انبعاثات غازات الدفيئة البشرية المصدر في الغلاف الجوي عند مستوى يحول دون أي تدخل خطير في المناخ.

من كيوتو إلى باريس، محاولة التوصُّل إلى بروتوكول ملزم

أصبح أول تطبيق عملي وملزم للاتفاقية، رسمياً بفضل بروتوكول كيوتو، الذي اعتُمد في عام 1997 ودخل حيِّز النفاذ في عام 2005، وصدَّق عليه 192 طرفاً، ولم تصدِّق الولايات المتحدة الأمريكية على البروتوكول مطلقاً. وفرض البروتوكول على37 بلداً من البلدان المتقدمة تخفيض الانبعاثات بمعدل عام يبلغ نسبة 5 في المائة مقارنة بعام 1990، وتخفيض الانبعاثات بمعدل 8 في المائة للاتحاد الأوروبي، في الفترة الممتدة من عام 2008 إلى عام 2012. أما سائر البلدان، فلم تلتزم بمعدلات محدّدة بل أُشركت في عملية مكافحة تغيُّر المناخ عبر آليات تحفيزية.

ومُدِّد البروتوكول في مؤتمر الدوحة في عام 2012، لفترة التزام ثانية تفرض هدفاً يتمثل في تقليص الانبعاثات العامَّة لغازات الدفيئة في البلدان المتقدمة بمعدل 18 في المائة على الأقل بين عامي 2013 و2020 مقارنة بمعدلات الانبعاثات في عام 1990. وجرى التوصل إلى تسوية نهائية بتحفيز من الاتحاد الأوروبي، الذي رغب في ربط تمديد التزامه ببروتوكول كيوتو باعتماد خريطة طريق لإبرام اتفاق عالمي. والتزمت فرنسا والاتحاد الأوروبي بناءً عليه بالمشاركة في فترة الالتزام الثانية لبروتكول كيوتو اعتباراً من 1 كانون الثاني/يناير 2013.

وكان الاتحاد الأوروبي أول من أعلن هدفه في نيسان/أبريل 2012، وتمثل في خفض انبعاثات غازات الدفيئة التي يتسبَّب بها، بنسبة 20 في المائة لفترة الالتزام الثانية.
غير أنَّه ما فتئت أن تبينت أوجه قصور البروتوكول، إذ انسحبت منه روسيا واليابان ونيوزيلندا وكندا، وكان لا بد من وضع صك قانوني طموح الأهداف وملزم ويسري على الجميع ليحل محل بروتوكول كيوتو.

وسعت المؤتمرات إلى التوصُّل إلى اعتماد "بروتوكول، أو صكّ قانوني، أو نتيجة أخرى ملزمة قانونًا" قد يحلُّ محلَّ بروتوكول كيوتو وبدءً من الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ التي عُقدت في كوبنهاغن في عام 2009 ووصولاً إلى الدورة العشرين التي عُقدت في ليما في عام 2014. وأكّدت الأطراف، تمسِّكًا منها بهذا الهدف، عزمها على إبقاء الاحترار العالمي دون الدرجتين المئويتين، وأحرزت تقدماً في تمويل الإجراءات الضرورية، فقامت بتهيئة الظروف المناسبة لعقد الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف في باريس في عام 2015.

وضع قواعد بغية تطبيق اتفاق باريس

استُهلَّت الأعمال بعد الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف، بغية وضع قواعد لتطبيق اتفاق باريس في الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف التي عُقدت في كاتوفيتسه في بولندا، واستؤنفت إبَّان انعقاد الدورة الخامسة والعشرين للمؤتمر في مدريد في عام 2019. ويتضمَّن هذا العمل مجموعة من النصوص التي ترشد تنفيذ جميع الجوانب التقنية لاتفاق باريس.

وهناك قاعدة واحدة لم تُعتمد في الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف، بسبب غياب توافق آراء سياسي بشأنها، وهي القاعدة التي تبحث في آليات المرونة والتعاون بين الدول من أجل تنفيذ تخفيض الانبعاثات لديها المنصوص عليها في المادة 6 من اتفاق باريس. وترفض بعض الدول، بوجه خاص، أن تأخذ في الاعتبار السلامة البيئية المنصوص عليها في اتفاق باريس عند حساب حصص الانبعاثات.

وتعذر التوصل إلى توافق آراء خلال الدورة الخامسة والعشرين لمؤتمر الأطراف التي عُقدت في مدريد، إذ قامت بعض الدول بعرقلته، وإن حقَّقت الدورة الخامسة والعشرون النتائج التالية:

  • تعزيز الإجراءات المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ، فيما يتعلق "بالخسائر والأضرار"؛
  • تعزيز "برنامج العمل" الذي يجمع المبادرات المناخية التي تقودها الأطراف الفاعلة غير الحكومية والمجتمع المدني، ويضفي قيمة عليها، من خلال الولاية الجديدة للبرنامج التي تمتدُّ حتى عام 2025؛
  • جرى التوصُّل إلى إبرام اتفاقات أخرى، مثل الاتفاق بشأن تعزيز القدرات ونقل التكنولوجيا؛
  • جرى التوصُّل إلى وضع قواعد التشغيل العام لآلية الامتثال بالاتفاق؛
  • توصَّلنا، بفضل جهود العديد من البلدان، إلى إدراج الهدف المتمثل في رفع مستوى الطموح في عام 2020، في القرار النهائي لمؤتمر الأطراف.

وأتاحت المفاوضات الأخيرة فضلاً عن ذلك، إحراز تقدم كبير في موضوع إدراج مبادئ حقوق الإنسان في تطبيق اتفاق باريس.

وأصبحت التشريعات التنفيذية لاتفاق باريس، تتضمن مشاركة الجمهور ومساهمة منظمات المجتمع المدني، وأخذ مسألة المساواة بين الجنسين في الاعتبار، عند وضع السياسات المناخية. ومُدِّد العمل "بخطة العمل بشأن الجنسانية" في مكافحة تغيُّر المناخ، لمدة خمسة أعوام.

وكانت مشاركة الشعوب الأصلية في عملية مكافحة تغيُّر المناخ، إحدى النتائج الإيجابية الأخرى للمؤتمر. وبدأ منبر المجتمعات المحلية والشعوب الأصلية، الذي أُنشئ في الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف، بالعمل وهو يبيِّن حدوث تطور كبير من ناحية مراعاة المشكلات التي تواجهها هذه الشعوب، التي تُعتبر أولى ضحايا تغيُّر المناخ.

في عام 2021، أسفرت الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف، التي عقدت في غلاسكو، عن وضع اللمسات النهائية على قواعد تطبيق اتفاق باريس ولا سيما فيما يخص المادة 6 من الاتفاق التي تنصُّ على آليات لتداول الانبعاثات والشفافية.

وأسهم العلم، منذ عام 2018، في توسيع أفق المعارف في مجال المناخ والتحديات التي يفرضها الاحترار العالمي، من خلال نشر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ عدة تقارير، ولا سيّما التقارير الثلاثة الخاصة التالية:

آخر تحديث في: كانون الأول/ديسمبر 2021